مقالات و أراء

الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 04 أبريل 2012 16:01

الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة

:

فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان

المادة 39

يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاًً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

المادة 40

منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.

المادة 41

لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.

المادة 42

إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة".

المادة 43

  1. يتعهد جميع أعضاء "الأمم المتحدة" في سبيل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقاً لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي ومن ذلك حق المرور.
  2. يجب أن يحدد ذلك الاتفاق أو تلك الاتفاقات عدد هذه القوات وأنواعها ومدى استعدادها وأماكنها عموماً ونوع التسهيلات والمساعدات التي تقدم.
  3. تجرى المفاوضة في الاتفاق أو الاتفاقات المذكورة بأسرع ما يمكن بناءً على طلب مجلس الأمن، وتبرم بين مجلس الأمن وبين أعضاء "الأمم المتحدة" أو بينه وبين مجموعات من أعضاء "الأمم المتحدة"، وتصدق عليها الدول الموقعة وفق مقتضيات أوضاعها الدستورية.

المادة 44

إذا قرر مجلس الأمن استخدام القوة، فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة وفاءً بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 43، ينبغي له أن يدعو هذا العضو إلى أن يشترك إذا شاء في القرارات التي يصدرها فيما يختص باستخدام وحدات من قوات هذا العضو المسلحة.

المادة 45

رغبة في تمكين الأمم المتحدة من اتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدى الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن استخدامها فوراً لأعمال القمع الدولية المشتركة. ويحدد مجلس الأمن قوى هذه الوحدات ومدى استعدادها والخطط لأعمالها المشتركة، وذلك بمساعدة لجنة أركان الحرب وفي الحدود الواردة في الاتفاق أو الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43.

المادة 46

الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب.

المادة 47

  1. تشكل لجنة من أركان الحرب تكون مهمتها أن تسدي المشورة والمعونة إلى مجلس الأمن وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدولي ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع.
  2. تشكل لجنة أركان الحرب من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو من يقوم مقامهم، وعلى اللجنة أن تدعو أي عضو في "الأمم المتحدة" من الأعضاء غير الممثلين فيها بصفة دائمة للإشراف في عملها إذا اقتضى حسن قيام اللجنة بمسؤولياتها أن يساهم هذا العضو في عملها.
  3. لجنة أركان الحرب مسؤولة تحت إشراف مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس. أما المسائل المرتبطة بقيادة هذه القوات فستبحث فيما بعد.
  4. للجنة أركان الحرب أن تنشئ لجاناً فرعية إقليمية إذا خوّلها ذلك مجلس الأمن وبعد التشاور مع الوكالات الإقليمية صاحبة الشأن.

المادة 48

  1. الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي يقوم بها جميع أعضاء "الأمم المتحدة" أو بعض هؤلاء الأعضاء وذلك حسبما يقرره المجلس.
  2. يقوم أعضاء "الأمم المتحدة" بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة وبطريق العمل في الوكالات الدولية المتخصصة التي يكونون أعضاء فيها.

المادة 49

يتضافر أعضاء "الأمم المتحدة" على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الأمن.

المادة 50

إذا اتخذ مجلس الأمن ضد أية دولة تدابير منع أو قمع فإن لكل دولة أخرى - سواء أكانت من أعضاء "الأمم المتحدة" أم لم تكن - تواجه مشاكل اقتصادية خاصة تنشأ عن تنفيذ هذه التدابير، الحق في أن تتذاكر مع مجلس الأمن بصدد حل هذه المشاكل.

المادة 51

ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.

 

ميشال شماس : استقلال القضاء في سورية الجديدة

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الأربعاء, 21 مارس 2012 18:11

ميشال شماس : استقلال القضاء في سورية الجديدة

هل هناك علاقة بين استقلال القضاء وتحقيق الديمقراطية؟ وهل يتوقف تحقيق الديمقراطية في مجتمعنا السوري على وجود عدالة قوية ونزيهة؟ وكيف يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في سورية إذا كانت تفتقد إلى وجود قضاء مستقل ونزيه

في الحقيقة لا يمكن الحديث عن مجتمع عادل خال من الديمقراطية؛ مثلما لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي هادئ وهادف في غياب عدالة فاعلة وفعّالة. إن المطالبة بتحقيق مجتمع عادل في سورية ليس ترفاً، بل أصبحت تلك المطالبة اليوم ضرورة ملحة لمد الجسور بين ما هو مثالي وبين الواقع الذي نعيشه، لاسيما في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة والمذهلة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة منفتحة على بعضها البعض

رغم أن رئيس الجمهورية في سورية يتولى أيضاً منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى ويدَّعي أنه لا يتدخل في القضاء ولا في الأحكام التي تصدر عن المحاكم، لكن قانون السلطة القضائية أعطى وزير العدل السوري نفوذاً واسعاً على القضاء، لا سيما في المادة 65 منه. إن هذه التركيبة القانونية جعلت السلطة التنفيذية حاضرة ومؤثرة في جميع الحلقات الإجرائية التي تُنظم شؤون القضاة من التعيين والترقية إلى التأديب والإقالة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مجلس القضاء الأعلى المُعين من قِبل السلطة التنفيذية والذي تتمثل فيه بأكثرية أعضائه، وهذا ما جعل القاضي تحت رحمة وزير العدل وتعليماته. ويبرز تدخل السلطة التنفيذية في عمل القضاء لا سيما في المواضيع السياسية في التزام القاضي غالباً بجميع التهم التي ترد في الضبوط الأمنية، ومع أن كثيراً من القضاة لا يقتنعون بتلك التهم، إلا أنهم يخشَون على أنفسهم إذا أصدروا قراراً بالبراءة أو إخلاء السبيل، كما حصل مع القاضي في قضية الكاتب والمعارض ميشيل كيلو فقد جرى نقله عقاباً له لأنه قرر إخلاء سبيله

لم يعد دور القضاء اليوم يقتصر على المعالجات القانونية الصرفة كحل للنزاعات وإيقاع العقاب بمرتكبي الجرائم أو تقرير البراءة، بل أصبح له دوراً مجتمعياً يتمثل بحفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث نتيجة عدم إيجاد حلول جدية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما مشكلة الفساد والتضييق على حريات الناس. فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر إشكالية الاستثمارات في سورية، فإن القاضي مُطالب من جهة بمراعاة الجانب الاجتماعي، حيث يتحتم عليه الوقوف في جانب الطرف الضعيف ألا وهو العامل، وفي المقابل عليه أن يحرص على ضمان حقوق المستثمرين، على اعتبار أن لا تنمية مستديمة في غياب اقتصاد قوي

في الوقت الذي اعتبر فيه أصحاب الفكر السياسي والقانوني المعاصر في العالم أن استقلال القضاء بات يشكل ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية ودعامة أساسية من دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات تحوَّل القضاء في الدول المتطورة إلى مؤسسة سياسية بالمعنى الواسع حيث يقوم بوظيفة حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي في إطار مجموعة من المبادئ الديمقراطية الحديثة التي تحتل فيها دولة الحق والقانون العمود الفقري. بينما نجد العكس تماماً يجري في سورية، حيث تحوَّل القضاء إلى مجرد هياكل دون طعم ولا لون، بسبب التدخل السافر في شؤونه والتعدي على اختصاصاته

يقاس تطور الدول في هذا العصر بمدى سيادة القانون واستقلال قضائها، على اعتبار أن الدولة في المجتمعات الحديثة تخضع للقانون، وهذا ما أكده رئيس مجلس شورى الدولة الفرنسي السابق رينيه كاسان حين قال "لا يمكن أن تقوم سيادة القانون أو تتحقق إلا حيث يكون الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها متوافراً على أكمل وجه، وإنه لأمر جوهري أن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة ضد الطغيان والظلم

إن السلطة القضائية المنوط بها وحدها تحقيق أمر العدالة لا يمكنها أن تحقق هذا الهدف إلا إذا ما عقد النظام الانتقالي الجديد في سورية مصالحة حقيقية بينه وبين مواطنيه، وجعل من المواطن أساس كل التعاقدات الاجتماعية والسياسية، ومفهوم العدالة لا يخرج عن هذا الإطار بل يكرسه. وكما يقول الفليسوف الأماني إيمانويل كانط: فإن العدالة تعتبر الإنسان الأساس المحوري لأي تنمية مستدامة باعتباره كائناً مستقلاً قادراً على أن يحدد بنفسه القانون الذي يجب أن يخضع له وفكرة "سلطان الإرادة" مستبطنة من عمق مفهوم العدالة، غير أنه لا يمكن للإنسان أن يطمئن إلى جهاز عدالة إلا إذا كان هذا الجهاز يقرُّ له فعلياً حق المساواة بين الفقير والغني صاحب السلطة ومفتقدها، العالم بالقانون والجاهل به. وبعبارة أوضح وأدق أن تحفظ هذا العدالة كرامة الإنسان باعتبارها تشكل الدافع الأساسي لتقدم وازدهار العدالة

إن حرية الإنسان وكرامته ومحبته وسلامه وعدله وتسامحه شكلت محور المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية ومن قبلها الرسائل السماوية، بصفتها أعظم هبة من الله منحها لجميع بني البشر بصرفالنظر عن دينهم أو جنسهم أو عرقهم، هبة منحها الله للإنسان ليس باعتباره مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً أو صابئاً أو هندوسياً أو بوذياً أو وثنياً، بل باعتباره إنساناً

 

السلاح والربيع السوري

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الثلاثاء, 31 يناير 2012 00:37

السلاح والربيع السوري

لم يتــوانَ النظــام السوريّ، منذ بداية الثورة، عن الترويج عبر إعلامه المشكوك بصدقيّته ومهنيّته

، لفكرة العصابات المسلحة التي تقتل وتروّع المواطنين، فكان هذا الترويج مدخلاً لاجتياح المدن المنتفضة، وقصف البشر والحجر فيها، ما هدّد ويُهدد السلمَ الأهلي لدولة متعدّدة الطوائف والقوميات. لذا، فإن الانجرار إلى ردّات الفعل العنفية هو مطلب من أطلق الرصاص على هتافات السلمية.

اللاعنف، التسامح، السلم الأهلي، مفاهيمُ لا بدّ من تفعيلها في الحياة العامة، خصوصاً في هذه المرحلة من الربيع السوري المُنجز داخلياً وخارجياً، والذي يحتاج فقط إلى نفس أكثر سلميةً لإنجاز المهمة، التي طالما حَلمَ بها السوريون، لإنهاء الاستبداد الموغل والمتغلغل في جميع أركان الدولة.

بوادر التحوّل من السلمية إلى التسلّح بدأت تتلامح على السطح رويداً رويداً، كذا فإنّ صورة حمل السلاح من قبل طالبي الحرّية ستترك كبير أثر على الأجيال المقبلة، وليس من المبالغة وصفها بأنها مقبرة الثورة، مع عدم إغفالنا بأن مردّ ذلك التحوّل ناجم عن قمع وحشيّ لنظام تسلّطيّ يدرك جيداً بأنه المنتصر من حمل السلاح مهما كانت المبررات والدوافع.

أن يقال إنّ الحرية آتية من فوهة البندقية لهو انتحار سياسي، وضيق فكري من قبل مروّجي فكرة السلاح، وستكلف الربيع السوري دماً واقتصاداً، فالجار اللبنانيّ بتكوينه ومكوناته شبيه للواقع السوري، وسلمه الأهلي مهدّد بأي لحظة، وفق موازين قوّة السلاح التي يملكها طرف هو خارج شرعية الدولة.

نقول إنّ الثورة السورية التي تستمدّ شرعيتها من إرادة سلمية صلبة يجب أن لا تستكين لإرادة القتل وردات فعله، كذا إن الربيع السوري سيستمرّ، وحلم السوريين في بناء دولة مدنية ديموقراطية يجب أن لا يشوبه أي عنف بالسلاح، فالملاحظ في المشهد السوري المنتفض سلمياً المشاركة النسوية الواسعة، إلا أنّ الاحتكام لفكرة السلاح سيؤدّي بالضرورة إلى غياب العنصر الأنثوي عن المشهد العام، وسيطرة الذكور الملتحين ذوي العقيدة الجهادية العنفية على الساحة العامة، وبالتالي تهديد العلمانيّة ومدنيّة الدولة المنشودة.

غنيّ عن القول إنّ السلمية هي حارسة مرمى الثورة وفق تجارب الآخرين ممّن استخدموا اللاعنف للوصول إلى مبتغاهم الثوري، وبنوا على أساسها دولاً ترسخت فيها قيم التسامح، مقارنة مع الدول التي ذهبت إلــى فكـــرة السلاح لتحرير أوطانها، فما زال الدم فيها مسالاً والاقتصاد منهاراً.

النظام السوري بسلوكه الأمنيّ الأرعن يؤول إلى الزوال بالإرادة السلمية لا بإرادة السلاح، فإعادة بناء الدولة الوطنية، وترميم النسيج الاجتماعي بعد ثورة مسلحة يصبح ضرباً من الخيال، ويحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة التلاحم الاجتماعي، لصعوبة تحديد الحدود الفاصلة بين النظام وبعض مكونات المجتمع السوري.

الثورة السوريّة على مفترق طرق، وكلّها خطيرة جدّاً... السلميّة صمّام أمانها، السلاح نزع لمسمار أمانها.

* كاتب وصحافي سوري

محيي الدين عيسو *

   

التدخل الإنساني وغير الإنساني!

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الاثنين, 30 يناير 2012 23:51

التدخل الإنساني وغير الإنساني!

المصدر: الأهرام اليومى

د. محمد قدرى سعيد


مرة أخرى يتردد مُصطلح «التدخل الإنساني»، أو التدخل العسكرى «لأغراض إنسانية»، حيث يُفترض فى هذه الحالة عدم وجود مصلحة ذاتية أو أسباب أيديولوجية لتبرير التدخل فى دولة ما. ففى الآونة الأخيرة صارت المنطقة العربية ساحة مفتوحة لتدخل الدول الكبرى عسكريا وسياسيا لدعم حركات شعبية ضد نظم فقدت شرعيتها، وتحولت العلاقة بين النظام الحاكم وقطاعات واسعة من الشعب إلى حالة صراع مُمتدة لعقود طويلة. لم يعد التدخل مقصورا على دول كبرى من أعضاء مجلس الأمن فحسب، بل أيضا من دول ذات نفوذ إقليمى ترى أن من واجبها التدخل سياسيا وأحيانا عسكريا لتحقيق الاستقرار فى دولة مُعينة ودفعها بعيدا عن خطر الانغماس فى نزاعات وحروب أهلية. تركيا على سبيل المثال قدمت مؤخرا نصائح كثيرة إلى القيادة السورية من أجل إقامة نظام ديمقراطى حقيقى فى سوريا وإيقاف العمل بقانون الطوارئ. وكذلك فى البحرين تدخلت قوات درع الجزيرة للتعامل مع حركات احتجاجية تطالب بالتغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان.
أما مصر فقد تعرضت قبل وأثناء ثورتها الأخيرة إلى تدخلات مُختلفة لم تزد كثيرا عن مجرد ضغط من الخارج على الرئيس السابق للتنحى من جهة وتشجيع المجلس العسكرى الأعلى فى سعيه إلى مزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة أخري.

نظرية "التدخل الإنساني" جاءت إلى منطقة الشرق الأوسط منذ عقود مُتخفية تحت أسباب إنسانية، ثم تطورت إلى تدخل لإيقاف حروب أهلية كانت وراء مقتل أعداد هائلة من المواطنين، وانقسام الدولة الواحدة إلى عدد من الدويلات المُمزقة مثلما حدث فى الصومال وفى السودان وربما أيضا فى اليمن فى المستقبل. وتُعتبر حالة العراق نُموذجا صارخا للتدخل الكامل بقيادة الولايات المتحدة وبدون موافقة من مجلس الأمن. وتبدلت أسباب التدخل فى العراق كما تخيلته الولايات المتحدة بين البحث عن أسلحة للدمار الشامل ومحاربة الإرهاب أو بناء ديمقراطية واعدة لكن ذلك لم يتحقق كاملا حتى الآن. لقد دفع الشعب العراقى ثمنا فادحا لهذه الحرب، ووصفت الأمم المتحدة التدخل الأمريكى فى العراق بأنه «غير قانوني» و«غير إنساني». ولاشك أن العراق تخلص من نظام استبدادى قاس لكنه سوف يحتاج إلى سنوات عديدة قبل أن يمتلك ثقافة ديمقراطية حقة خاصة أن العراق واقع مع السعودية ودول الخليج تحت ظل إيرانى كثيف. لقد أدى التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق إلى فتح الباب على مصراعيه أمام جدل عالمى وعربى حول شرعية وأخلاقية هذا النوع من التدخل وتبعاته الدولية والإقليمية والمشكلات والمصاعب التى تواجه عملية إعادة البناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى بعد أن دمرته العمليات العسكرية.
أهم ما فى مفهوم «التدخل الإنساني» فكرة «التدخل الجماعي». بدءاً من عام 1990 وقع حادثان مُهمان تمخض عنهما ميلاد نظام عالمى جديد تمثل الأول فى انهيار الاتحاد السوفيتي، أما الثانى فتمثل فى الغزو العراقى للكويت. فبعد أن صدرت قرارات مجلس الأمن الدولى بإدانة العدوان العراقى اتفق أعضاء المجلس بما فى ذلك الولايات المتحدة على القيام بعمل جماعى وليس أحادي. وقد فتح هذا الاتفاق الباب أمام التدخل الجماعى فى كثير من الصراعات الداخلية والدولية باستخدام القوة العسكرية أولا وإتباعها بعد ذلك بعدد من الآليات مثل عمليات حفظ السلام، و العقوبات، و مشاريع إعادة بناء الدولة. وبناءً عليه قامت قُوى إقليمية ودولية ذات نفوذ بتدخلات عسكرية ليست من أجل خدمة مصالحها بل من أجل منع كوارث إنسانية أوالحفاظ على السلام والاستقرار كما حدث فى ليبريا عام 1990، وفى شمال العراق عام 1991، وكوسوفو عام 1999، وسيراليون عام 2000. وهذا ما نلحظه الآن فى العمليات العسكرية الجارية فى ليبيا بواسطة «التحالف الدولي» أو حلف الناتو مُؤخرا.
وتثير هذه «التدخلات الإنسانية» قضايا شائكة يصعب حلها أحيانا بواسطة الدول المُشاركة، كما تُمثل مُعضلات مُعقدة للمنظمات الدولية والإنسانية. إن التدخل العسكرى مهما كانت دوافعه الإنسانية يُثير ويطرح اعتبارات قانونية وأخلاقية وسياسية أمام المجتمع الدولي. وبعد كل تدخل تقوم الدول المشاركة فيه بِسَوْق الكثير من المبررات والأسباب لتغطية تدخلها، بينما تسوق دول أخرى فى المقابل عددا من البراهين لإدانة تلك المُبررات والأسباب. ونتيجة لهذا الجدل المُتبادل خضعت دواعى التدخل العسكرى الإنسانى لضوابط صاغها المُجتمع الدولى مستندا إلى القانون الدولي، ومدى منطقية التدخل العسكرى أو تقبله من الدول بصورة فردية أو جماعية، وطبيعة رؤية الرأى العام له مُمثلا بوسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الأكاديمى والمنظمات الدولية. وهناك أيضا بعد سياسى مهم يستند إلى اعتبارات عملية مثل الاضطرار إلى التدخل، والفوائد المُحتملة للأطراف المُشاركة، وجدوى العملية العسكرية، وردود الفعل والتصرفات المُحتملة من قبل الدول الأخري. وكذلك البعد العملياتى خلال المراحل المُختلفة للعمليات العسكرية. وكقاعدة عامة، لا يكون الدافع وراء التدخل الجماعى السعى من أجل مصالح قومية للقوى العظمى أو البلدان القائمة بالتدخل، ولكنه يُنظر إليه بالأحرى كآلية لتنفيذ الأهداف الرئيسية للسلام والأمن العالميين أو السلم الإقليمي. وتحت مظلة التدخل الجماعى استطاع مجلس الأمن الدولى التدخل فى الشئون الداخلية لبعض الدول من خلال سلطة أو إدارة دولية لها بعض الصلاحيات الجوهرية. وقد فرضت طبيعة "التدخل الجماعي" مُعالجات جديدة لجوانب العمل العسكرى انبثقت من حقيقة أن العمليات العسكرية لا تقوم بها دولة واحدة، وأنها لا تهدف إلا لمصلحة إنسانية متعلقة بالشعب.
وبين كل الحالات الساخنة فى المنطقة العربية نجد الحالة الليبية مثالا ناضجا لمفهوم التدخل الإنسانى فى صورته الحديثة المُطورة لتناسب تلك الظاهرة الاحتجاجية والثورية اللافتة فى العالم العربي. فالأحداث على الأرض كانت قد وصلت إلى صدام دامى بين القوى الشعبية الثائرة من جهة والعقيد القذافى وقدراته العسكرية من جهة أخرى والتى لم يتردد فى استخدامها ضد المدنيين. وعندما مرت الحالة على الجامعة العربية والاتحاد الأوروبى ثم فى النهاية مجلس الأمن صدر قرار الأخير بالتدخل عسكريا لحماية المدنيين. وترى الأمم المتحدة أن التدخل العسكرى فى هذه الحالة لا يمس السيادة الليبية لأن الإجراء يستند إلى مبدأ «مسئولية الحماية» Responsibility to Protect الذى أقرته الأمم المتحدة منذ عشر سنوات تقريبا. وهناك بطبيعة الحال من ينتقد هذا المبدأ ويراه طريقا خلفيا للتدخل التعسفى فى شئون الدول ذات السيادة. لكن فى نهاية الأمر يبقى الحكم على هذا التصرف متروكا للضمير العالمي، وكيفية رؤيته للعقيد القذافي، وتاريخه وتصرفاته وموقف الشعب الليبى منه. وقد تخلى عن العقيد القذافى كثير من الدبلوماسيين الليبيين فى الجامعة العربية والأمم المتحدة ثم وزير خارجيته مُؤخرا.
فى إطار ما سبق يتبقى الجانب العملياتى التطبيقى للموضوع وكيفية تفصيله على الحالة الليبية. والخيار بدأ بفكرة فرض حظر جوى يحرم على العقيد القذافى السيطرة الجوية ويمنعه من استخدام ذلك فى ضرب تجمعات الثورة. وقد اتخذت العملية العسكرية مُنحنى صاعدا لكن ببطء حتى يعطى للعقيد الليبى فرصة الانسحاب من المعركة وتسليم السلطة للقوى الشعبية ممثلة فى المجلس الانتقالى الليبى وذلك حقنا للدماء وتجنبا لحرب أهلية سوف يدفع تكلفتها الشعب الليبي، وأيضا لخفض كُلفة التحالف الدولى الذى بدأ أولا بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ثم انتهى بإعطاء المسئولية لحلف الناتو الذى من جانبه أخذ خطوات بطيئة كانت ومازالت محط نقد من المجلس الانتقالى الليبى ومصدر تشجيع لقوات العقيد القذافى للتحرك صوب الشرق والسيطرة على أماكن لم تكن تحت سيطرته. وبجانب العمليات العسكرية هناك أدوات أخرى دولية سوف تُستخدم ولها علاقة مباشرة بالجانب الإنسانى فى تلك المسألة وهى المحكمة الجنائية الدولية وما يمكن أن تفعله لمحاسبة القذافى ونظامه الأمنى والعسكرى فى ضوء قائمة الجرائم الطويلة التى اقترفها هو وكثير من المحيطين به.

 

سورية الاستثناء التاريخي بدائل غير عسكرية للتدخل الإنساني

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

كتبها Administrator الاثنين, 30 يناير 2012 23:50

سورية الاستثناء التاريخي بدائل غير عسكرية للتدخل الإنساني

بشار حميض*

على وقع أصوات القنابل المسمارية والحارقة التي يطلقها النظام السوري ضد المتظاهرين وقتله أكثر من 2000 شخص خلال خمسة أشهر, وأصوات إطلاق الرصاص من رشاشات ثوار ليبيا الذين نجحوا في القضاء على حكم القذافي بمساندة عسكرية خارجية. وعلى وقع صوت آلة الإجرام العسكري التي تستخدمها الأنظمة العربية والنظام الصهيوني ضد الأهالي, يبدو التمسك بالخيار اللاعنفي في المقاومة أمرا ساذجا, وتتعالى الأصوات كل مرة بأنه لا بديل عن المقاومة المسلحة أو التدخل العسكري من خارج الحدود لإنقاذ المدنيين. لا شك أن كثيرا من هذه الأصوات هي أصوات صادقة وتسعى بالفعل إلى وقف إراقة الدماء, وهي تصدر أحيانا من المدنيين الذين يتعرضون شخصيا للتهديد بالقتل من قبل أنظمة لم يعد لديها أي وازع, لكننا هنا نود أن نفكر خارج الصندوق وأن لا يجرنا هول اللحظة إلى الوقوع فيما لا تحمد عقباه.

الوضع الحالي ليس جديدا

الوضع الذي تعيشه المجتمعات العربية اليوم ليس جديدا فقد تكرر تاريخيا عدة مرات, أكثر الأمثلة جلاء له كانت الحرب العالمية الثانية (1939) التي بررت فيها قوات الحلفاء أعمالها العسكرية بجهود وقف المذبحة التي كان الحزب النازي الألماني قد بدأها في أوروبا منذ أواسط ثلاثينيات القرن الماضي. فحينها خفتت أصوات المفكرين والناشطين المعادين للعسكرة, فيما انبرى بعضهم للدفاع عن التدخل العسكري معتبرين أن الهولوكوست كان استثناءا تاريخيا يبرر التدخل العسكري لوقفه. ثم تكررت في أوروبا نفس الحجة في نهاية القرن الماضي بعد مذبحة سربرنيتشا, التي شهدتها البوسنة والهرسك سنة 1995 على أيدي القوات الصربية, حينها تمكن زعيم حزب الخضر في ألمانيا, يوشكا فيشر, من اقناع حزبه, المعارض التقليدي للحروب, لتأييد التدخل العسكري "من أجل عدم تكرار مأساة أوشفيتز جديدة في أوروبا" على حد قوله. ولاحقا عندما أصبح فيشر وزيرا للخارجية الألمانية عام 1998 قادها مع المستشار الألماني جيرهارد شرويدر للمشاركة عسكريا في البوسنة ومن ثم في حرب العراق (قدمت مساعدة لوجستية للولايات المتحدة, رغم المعارضة الخطابية المعروفة للحرب) ثم في حرب أفغانستان التي لا تزال قوات ألمانية تشارك فيها إلى اليوم. بذلك كان هذا الحزب اللاعنفي الأخضر هو نفسه الذي هدم الحاجز الأخلاقي أمام عودة ألمانيا كقوة عسكرية عالمية ممهدا الطريق لدخول ألمانيا في عالم العسكرة العالمية التي واصلت حمل شعار "التدخل الإنساني" إلى يومنا هذا.
تدخل الدول فقد شرعيته

إن نقاشا حامي الوطيس دار في ألمانيا ودول أوروبية أخرى مؤخرا بعد أن استقال الرئيس الألماني هورست كولر من منصبه نتيجة لاعترافه علنا أن التدخل الألماني في أفغانستان قائم أيضا على المصالح الاقتصادية لألمانيا. لقد أصبح من الواضح أن تدخل الدول الكبرى والإقليمية في الصراعات غالبا ما يخدم مصالح الشركات الكبرى, خصوصا تلك التي تعمل في مجال الطاقة والبنية التحتية والتي تبحث عن عقود طويلة الأجل. وهنا نجد أن هناك شبهة قوية في أن هذه الشركات تسعى لإقامة ديكتاتوريات جديدة أو شبه ديمقراطيات "منمقة" ترعى مصالح هذه الشركات على المدى البعيد, أما النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يتسم بتغيير في القيادات السياسية في كل فترة, فلا يبدو متوافقا مع مصالح شركات من هذا النوع, خصوصا أن توقيع مثل هذه العقود عادة لا يتم في أجواء الشفافية والرقابة الشعبية كون دفع الرشاوى والفساد أضحى جزءا أساسيا من عمل هذه الشركات.
إن حكومات الدول الكبرى تمثل اليوم إلى حد كبير مصالح هذه الشركات, وتأخذ في نفس الوقت لنفسها الحق في تغيير الأنظمة وتكوينها على الشكل الذي تريده, لذا من حق الأفراد والمنظمات الأهلية غير الحكومية والحركات أن تعبر عن مصالحها في هذا الشأن أيضا وأن تكون درعا أمام العسكرة وقتل المدنيين وإفراغ التحول الديمقراطي العالمي من مضمونه.

لكن المفكرين ومراكز "أبحاث السلام" و"إدارة الصراع" لم يقدموا إلى اليوم بدائل واضحة المعالم لما يطرحه "المجتمع الدولي" من أسلوب تقليدي لمنع قتل المدنيين من قبل السلطات الديكتاتورية في العالم. ففي مثل هذه الحالات يبدأ الأمر بالمقاطعة الاقتصادية والديبلوماسية وينتهي بتشغيل آلة قتل أخرى تجر وراءها دمارا, لا نستطيع أن نجزم بثقة أنه أقل وطأة من حالة عدم التدخل العسكري من الخارج بالأسلوب المعروف. وسواء أكانت هذه المراكز البحثية مستقلة حقا وتعمل من أجل السلام أو أنها واجهات لمؤسسات عسكرية وشبه عسكرية فإنها لا تطرح إلى الآن بدائل غير عسكرية لحالات مثل سوريا وليبيا وغيرها.

كما أن مفكرين معروفين بمناهضتهم للإمبريالية والعسكرة, مثل نعوم تشومسكي في كتابه (النزعة الإنسانية العسكرية الجديدة: دروس من كوسوفو, 1999) لم يقدمو بدائل لتدخل حلف الناتو العسكري, رغم أنهم بينوا بجلاء في تحليلاتهم أن الناتو لم يكن يبالي بما يحصل على الأرض من عمليات تطهير عرقي وأن مصالح الولايات المتحدة والغرب الاستراتيجية كانت هي الأساس الذي بنيت عليه خطط التدخل العسكري. ولعل أقوى البحوث التي نشرت حول ذلك هو كتاب (في ظل حروب "عادلة", العنف والسياسة والعمل الإنساني, 2006) الذي نفذته منظمة أطباء بلا حدود, التي تمتلك معلومات قيمة حول أغلب الصراعات المسلحة في العالم وتتمتع باستقلالية عالية.
بديل العسكرة

وإذا ما عدنا إلى الوضع السوري تحديدا فسنجد فقرا هائلا في البدائل المطروحة, ومع الفقر العربي والغربي على المستوى الأكاديمي في طرح البدائل, هناك بعض المحاولات الأوروبية المهمة للتأسيس لأساليب غير عسكرية للتدخل الإنساني يجدر الانتباه لها والبناء عليها, خصوصا أننا في العالم العربي أكثر ما نحتاج لمثل ذلك. لكن يجب الانتباه بداية أن البدائل غير العسكرية يمكن أن تكون أكثر صعوبة واستهلاكا للوقت والجهد وبالطبع أقل شعبية من الحلول العسكرية التي تتحمس لها الغالبية الشعبية بسرعة. فالأساليب العسكرية عادة ما تؤتي نتائج سريعة, ولكن ما يتم تجاهله هو أن الأعراض الجانبية اللاحقة لعسكرة الصراع يحتاج علاجها سنوات طويلة, مع احتمال كبير أن تتحول لحالات مزمنة من العنف الأهلي والمشكلات الاجتماعية والنفسية.

وإذا ما أخذنا الحالة الليبية كمثال نجد البروفيسور إيكارت كريبيندورف من جامعة برلين الحرة يطرح رؤية غير عسكرية قوامها التخلص من الحكم الديكتاتوري الليبي عن طريق عزله عن محيطه القبلي والعائلي والمرتزقة المحيطين به. فإي سلطة لن تستطيع الاستمرار إذا فقدت مؤيديها الأساسيين في قاعدة المجتمع. وإذا ما حللنا الطريقة التي تحرك فيها الأنظمة القمعية في العالم العربي مواليها فسنجدها غالبا ما تعتمد على الفئات الاجتماعية الأكثر بعدا عن المدينة والأقل تعليما, وغالبا ما تستخدم أجهزة الدولة دعايات كاذبة حول معارضيها تبثها بين هذه الفئات التي يسهل التلاعب برأيها. وقد وصف لي بعض الناشطين السوريين كيف أن السلطات السورية تذهب إلى القرى النائية لتجميع أفراد يؤيدونها وذلك بتقديم معلومات مغلوطة لهم حول المتظاهرين. وفي مثل هذه الحالات يرى كريبيندورف أنه من الضروري التوجه بحملات إعلامية مركزة إلى هذه الفئات وتعريفها بما يحصل. كذلك الأمر بالنسبة للمرتزقة الذين يستخدمهم النظام من خارج أرضه, فهؤلاء في الغالب لا يعرفون ما يجري على الأرض حقا وليس لديهم معلومات حول العواقب التي تنتظرهم في حال مشاركتهم في أعمال قمع أو جرائم ضد الإنسانية. بجانب الاستراتيجية الإعلامية لتفتيت الولاء للسلطة, هناك استراتيجية فتح الأبواب للمنشقين عن السلطة, وذلك بتهيئة ملاجئ آمنة لهم وحمايتهم من الانتقام, وتعد هذه الاستراتيجية بالغة الأهمية, حيث أن أغلب الأشخاص الذين يتمتعون بالوعي والمصطفين مع النظام يعرفون أنهم يؤيدون الطرف الخاسر, لكن الظروف حولهم لا تسمح بإنشقاقهم عنه لأسباب عائلية أو لوجستية, لذا فإنه من الضروري تهيئة الظروف لانشقاقهم.
بالطبع هناك جهود في مثل هذه الاتجاهات رأيناها في حالات ليبيا والعراق وغيرها, لكن المحاولات المنفردة من هذا النوع سواء من دول أو أفراد أو منظمات لن تجدي نفعا, فالمهم في مثل هذا الأسلوب أن يتم تخطيطه وتنفيذه بشكل منسق ومن خلال جهد محلي أساسي وخارجي مساند له, وبرعاية أكاديمية من باحثين في مجال الصراعات والتاريخ وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والإعلام والسياسة والحقوق. لذا من الضروري اليوم تأسيس ائتلافات عالمية غير حكومية تكون بمثابة فريق عمل مهمته التدخل غير العسكري في حالات القمع الشديد والجرائم ضد الإنسانية المرافقة للثورات الشعبية مثلما هو الحال في سوريا. هذا الجهد يجب أن تقوده المنظمات العربية والعالمية, خصوصا تلك المهتمة بحقوق الإنسان وحرية الصحافة والمنظمات الإنسانية التي تضع وقف الحروب هدفا لها, مثل منظمة أطباء بلا حدود, بشرط أن تكون المنظمات المشاركة بعيدة عن تمويل الحكومات والشركات الكبرى.
الاستثناء التاريخي السوري

إن الوضع في سورية اليوم يتطلب تدخلا من نوع آخر, غير ذلك الذي يطرحه "المجتمع الدولي". فلقد شق ثوار سورية طريقا في التغيير يعد استثناء تاريخيا مهما في تاريخ الثورات والتحول الديمقراطي. فحسبما يقول خبير التحولات الديمقراطية آدم برسيفورسكي في مقاله "ألعاب التحول" الذي يدرس فيه سيناريوهات التحول نحو الديمقراطية حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي, فإن المجتمع الذي يشعر أن هناك احتمالا لتعرضه للقمع الشديد نتيجة للثورة لن يقوم بهذه الثورة. إلا أن المثال السوري أثبت أنه استثناء لهذه القاعدة, فرغم تأكد المجتمع السوري من العواقب الوخيمة لثورته فإنه استمر بها ملتزما باللاعنف, في انضباط قل نظيره تاريخيا. إن التاريخ لا يعيد نفسه وحسب, لكنه يحمل في طياته أيضا مفاجآت تخرجه عن سياقه "المعروف", لذا فإن ما يقوله كثير من المراقبين من أنه لم يحدث أن سقط نظام ما بثورة مدنية بحتة, ينم عن جهل بالتاريخ وباستثناءاته. إن آخر الأخبار من سورية تفيد أن "الشبيحة" أنفسهم بدأوا بالتململ بسبب تقليل وتأخير المبالغ المدفوعة لهم, كما أن الجيش السوري نفسه بدأ بتحركات ضد قادته منذ فترة مبكرة, لذا فإنه من المهم أن يدعم التحرك المدني السوري من الحركات المدنية التي تنسجم مع أهداف هذا التحرك السوري اللاعنفي الهادف للديمقراطية وليس من قبل دول تمارس نفسها انتهاك حقوق الإنسان والأقليات أو تريد تأسيس ديمقراطيات مشوهة.
*
باحث في شؤون الديمقراطية والطاقة

   

صفحة5 من 23