أهم العقبات التي تعترض حقوق الإنسان في المنطقة العربية

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

أهم العقبات التي تعترض

حقوق الإنسان في المنطقة العربية


هيلين سيسو


مما لا شك فيه أن هناك العديد من العقبات التي تعترض حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وفي هذه الدراسة المقتضبة سنأتي على دراسة أهمها:
1 – معوقات الإدراك والوعي: وتشمل العوامل الذاتية والاجتماعية التي تكون من صفات الفرد والمجموعة في ظرف معين من حياته، تجعل المواطن قاصراً عن إدراك حقوقه، محجوباً عن الإحاطة بها أو زاهداً في المطالبة بها، مقللاً من شأنها، يائساً من الفوز بها، فهو إنسان معتل الإدراك، ضبابي المعرفة.
أ – الأمية: وهي من أهم عوامل التأخر في مختلف مجالات الحياة، وهي متفشية في المنطقة العربية بنسب عالية، ولعلها من أعلى النسب في العالم الثالث، وهذه الظاهرة من مخلفات الاستعمار، وكان من نتائج ذلك بقاء الأغلبية فاقدين للوعي السياسي بحقوقهم، فظلوا بذلك أتباعا منقادين للأحزاب السياسية ومطاوعين للحكام.
ب – الأحزاب والتحزب: هذه الأحزاب التي تشكل في أدبياتها السياسية جهاز مستحدث لتأطير الجماهير وتوجيههم، وتعمل على تلقينهم مبادئ التربية السياسية، وعلى ترشيد السلوك العام، هذه الأحزاب التي تتميز في الجانب النظري بثلاث مزايا كبرى في بث الثقافة السياسية بين عموم الأعضاء، فهي من جانب أول توطد الناس على قبول الاختلاف في الآراء، باعتبارها الوسيلة الفذة التي بها يصعد الرأي الشخصي إلى مرتبة الرأي المشترك، وينجلي الصواب من ثنايا الشبهات، ويتميز الاختلاف في الرأي عن الخلافات الشخصية ويتدرب المواطن على معرفة الحد الذي يخرج بالاختلاف من ميدان التعاون والاجتهاد المحمود إلى متاهات الشقاق وتفرق الكلمة وتصدع الوحدة.
أما الميزة الثانية، من الانتماء الحزبي فهي الارتقاء بالآراء الصادرة عن شخص ما إلى مرتبة الأفكار المنزهة عن الأهواء، والمجردة من طابع الشخصية، فالحق حق بمضمونه الذي يصون العقل، لا بصدوره عن فكر الزعيم ولا بإملائه من هيئة القيادة الحزبية، وبذلك يتعلم المواطن في صفوف الحزب ملكة التنظير والتجريد، ويكتسب قدرة الاستقلال عن وثنية الزعامة الملهمة، ويتحرر من الاتباعية المميتة.
وتكمن الميزة الثالثة، في كون الأحزاب مدرسة للديمقراطية السياسية، وذلك في أمرين أثنين: ترشيح الأصلح لمسؤولية القيادة الحزبية، وتقديمه على الصديق والقريب، ثم تحري الصدق والأمانة في عمليات التصويت.
ولكن هذه الخصائص، مع الأسف، بعيدة عن واقع الأحزاب السياسية في الكثير من المجتمعات العربية، بعد أن زاغت بها عن نهج الديمقراطية انحرافات متعددة، فقدت بسببها أهلية التربية السياسية القويمة، والقدرة على ترشيد الحياة العامة في أوطانها، وعلى الرغم من أن الأحزاب الوطنية الكبرى قد انتهجت زمن الكفاح التحرري نهجاً مرضياً في التربية على الحوار، وفي ترشيد سبل المناقشة وتكافح الآراء، فأفسحت المجال لارتقاء المناضلين الصادقين إلى مراتب القيادة، فإنها لم تلبث غداة الاستقلال، أن فقدت هذه الخصال وانغلقت في هيئاتها منابر الحوار الحر والنقاش النزيه، وتعطلت ملكة الاجتهاد وانقلب الاختلاف في الرأي خروجاً عن الجماعة، ومروقاً عن الوحدة، وتوهيناً للصف، وقامت الانتخابات في مؤتمراتها على التزوير والمساومات وأسفرت عن احتكار المسؤوليات بأيدي فئة معدودة من ذوي القربى والعشيرة ومن الأتباع وأهل الولاء الشخصي، فتحجرت الهياكل وانسدت مسالك الارتقاء في وجه الشباب، وانعقد الأمر على رأي الزعيم التاريخي الملهم وباتت شؤون البلاد ومصالح العباد مرتهنة لاجتهاداته وموقوفة على قوله الفصل.
هذا ما قامت عليه الحياة السياسية في معظم دول المنطقة العربية، خلال العقود الماضية، على الوحدانية، وحدانية الحزب الحاكم حتى ولو قامت بالانشقاق عنه أحزاب معارضة، ووحدانية البنية الهيكلية داخل هذا الحزب، ووحدانية الزعامة الفذة بالاعتماد على الشرعية التاريخية، فنتج من ذلك كله وحدانية الفكر السياسي، وما ينذر أن يصبح سلفية سياسية أقصت كل مشاركة ونبذت كل شورى وعطلت أبواب الاجتهاد وجنحت إلى تربية الناس على الاستقالة والاتباعية، بعنوان، ما يسمى ( الانضباط )، لذلك وبهذه العقلية المتحجرة فإن هذه الأحزاب لا تشكل البنية المؤاتية لتوعية المواطن بحقوقه، وبخاصة إذا كانت ممارسة هذه الحقوق غير متناسبة مع النهج الرسمي واختيارات سلطة الحاكم، وأن ما تشيعه هذه الأحزاب من نهج الولاء والاستقالة الفكرية لدى أتباعها يشكل إحدى المعوقات الشديدة الصارمة عن التبصر، ويزداد التعويق قوة وانغلاقاً، إذا كانت نسبة كبيرة من المواطنين أعضاء هذه الأحزاب موصومين بوصمة الأمية.
ج – التعتيم الإعلامي: وذلك بسبب أن السياسة الإعلامية المتوخاة في غالبية دول المنطقة العربية، ليست مؤهلة للتبشير بقيام ديمقراطية الحريات والحقوق وأنها على العكس من ذلك تعمل جاهدة على تأجيل هذا الموعد المرتقب قدر الإمكان وزيادة على تغليب البرامج الترفيهية على المواد التكوينية وعلى التربية الثقافية، كما تعمد سياسة الإعلام إلى طريقة الانتقاء المقصود بين مضامين المادة الإعلامية، بحيث لا يبلغ إلى علم المواطنين من شؤون بلادهم ومن أخبار العالم، إلا ما يحمل الرضا بالأوضاع القائمة ويصرف عن التطلع إلى تغييرها وعن بواعث الإقدام على نقدها.
د – الإحباط وفتور الحوافز: وذلك بسبب انتشار ظاهرة الزهد في الحقوق وفتور العزائم في طلبها بين طبقات واسعة من المجتمع، وقعود الهمة لا السعي لممارستها، والاستقالة دون الدفاع عنها، ومن ذلك أن المواطن الواعي لا ينشط لممارسة حق الاقتراع من حملة انتخابية يعلم أن نتائجها مقررة سلفاً، وذلك إما لأن التصويت لا يخرج عن مترشح وحيد لا منافس له في الساحة وبيده مقاليد الأمور ومفاتيح صناديق الاقتراع ويستأثر وحده دون سواه بوسائل الإعلام والدعاية، أو أن الحزب حزب واحد أو حزب مهيمن على الحياة السياسية بانتسابه لسلطة الحكم، أو لأن السلطة الإدارية المركزية والجهوية موالية لمرشحي هذا الحزب، أو هي لا تملك أن تفسح المجال للمنافسين من أحزاب المعارضة أو من المستقلين عن السلطة. 
وقد يزهد المواطن في الاختيار بين قائمات لا يتميز أفرادها ببرامج واضحة ولا بصفات أخلاقية أو علمية مشهود بها ولا بوجاهة محمودة بين الناس. وقد أيقن بفوز هؤلاء المرشحين لمجرد انتمائهم إلى الحزب الحاكم أو ولائهم لصاحب السلطة أو لقدرتهم المالية على شراء الأصوات وتقديم رشى انتخابية إلى الأحزاب، حتى إننا يمكن أن نحصر شروط إقبال المواطنين إلى ممارسة حقوقهم السياسية، بما يلي:
- الإيمان بهذه الحقوق إيماناً قائماً على العلم بمضامينها وعلى التسليم بشرعيتها لدى مختلف عناصر المجتمع المدني.
- الاطمئنان إلى صدق السلطة الحاكمة في الإقرار بها والالتزام برعايتها وفي تنظيم ممارستها بمنطق الاحترام والنزاهة.
- التعويل على آليات قانونية لتقويم الاختلال ولردع الانتهاك والاطمئنان إلى فاعلية هذه الآليات ونزاهتها أو حيادها بالقياس إلى السلطة والأحزاب المتنافسة.
فإذا انتفت هذه الشروط من الحياة السياسية وقام الشك مقام الاطمئنان وناب الغش والتزوير عن الأمانة والإخلاص، زهد الناس من حقوقهم واعتبروها حقوقاً وهمية، فتخلوا عن ممارستها وتركوا المبادرة للدفاع عنها وركنوا إلى الاستقالة من المشاركة في الحياة العامة لبلادهم وفسحوا مجال هذه المشاركة للانتهازيين وللصنائع المسخرين ولأرباب المصالح الفردية.
2 – معوقات الممارسة: وهذه المعوقات تشتمل ما قد يعرض في الحياة العامة من عوامل موضوعية مسلطة على المواطن بسبب خضوعه لنظام أنظمة الاستثناء في الحكم، كالنظام العسكري أو نظام الأحكام العرفية وحالة الطوارئ أو بسبب انتمائه إلى نظام اجتماعي موصوم باختلال البنية الاجتماعية، لأن لا حرية ولا حقوق إلا في ظل نظام رشيد يتمتع فيه الحكام بالشرعية الدستورية ويمارسون الحكم داخل ضوابط المصلحة فلا تنحصر سلطة الحكم بيد حاكم فرد يستأثر بها على مدى العمر بلا رقيب ولا حسيب ولا يزاولها مع غيره ولا يمارسها في ظل مؤسسات نيابية منتخبة وإزاء سلطة قضائية مستقلة ورأي عام متبصر وصحافة حرة ناقدة أو بالتفاوت الكبير بين الطبقات الاقتصادية أو بسبب انخرام أوضاع الأمن والتسلط المفرط للإدارة وانحياز هيكل القضاء وتبعته للسلطة التنفيذية.
نستنتج من ذلك أن الشعوب في المنطقة العربية لا تزال في الغالب في أقطارها منقوصة الممارسة لحقوقها، محدودة التمتع بالحريات على اختلاف أنواعها وبالحريات السياسية بصورة خاصة، ولا تزال هذه الأوضاع قائمة حتى اليوم بالرغم من مرور عقود طويلة على الحرب العالمية الثانية واستقلال معظم الدول العربية، وبالرغم من توفر نسبة أعلى من المتعلمين وكذلك مشاركة أكبر في الميدان السياسي والاقتصادي..، يجري حرمان المجتمع من ممارسة الحقوق والحريات على الرغم من وجود مجالس نيابية وأحزاب سياسية وتنظيمات عمالية ومهنية وعلى الرغم من إقرار الدساتير الوطنية لتلك الحقوق والحريات وعلى الرغم من مصادقة الدول على المواثيق الدولية وعلى إعلانات المنظمات.