أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

50 ألف عائلة هاجرت من المنطقة الشرقية مسؤول أممي يقدر عدد شديدي الفقر بثلاثة ملايين سوري

اعترض مسؤول وقيادي كبير في الدولة، على وجود جوع في سورية، كانت لهجته شديدة، ورفضه حاسماً، وهو موقف يتخذه معظم المسؤولين. لا يرى الجوع بالعين المجردة، وقد يكون غيابه المقصود قسرياً، هو نتيجة لحالة النظر الدائم إلى النصف المملوء من الكأس، وتجاهل النصف الآخر منه، الذي يعبر عن الواقع أيضاً، ويحتاج إلى العمل والجهد لملئه.
القضية ليست في إقناعنا بأن سورية خالية من الجياع، فكيلو الخبز الواحد يكفي لحل مشكلة جائع، رغم أنها ليست الطريقة الأفضل من بين الطرق الاقتصادية والتنموية، إذ إن الأفضل تعلم طريقة اصطياد السمكة.

ويتحدد الجوع وفق معايير، وبالاستناد إلى مؤشرات تضعها المؤسسات المحلية والدولية، وليست التصريحات والمواقف. وإثباته في سورية، ليس بالأمر الصعب، لأن نتائج الخطط الاقتصادية وما أفرزه التحول الاقتصادي يعكس واقعاً مغايراً لما يتوقعه أو يحاول رسمه البعض.
فالفريق الاقتصادي أقرّ بوجود الفقر منذ أكثر من خمس سنوات، لكن ربط الفقر بالجوع مسألة مهمة، ومقاربة لابد من التعاطي معها، لأن قضايا كهذه لها آثار اجتماعية واقتصادية بالغة الأهمية، تبقى كجمر تحت الرماد، وهنا يصبح الاعتراف بوجود المشكلة كعدمه، لأن الواقع يعبر عن أية قضية بشكل أكثر صدقية. وليس من الموضوعية انتظار لحظة انفجار القضية وتشظيها على جميع المستويات. وبمعنى أكثر دقة: إن الاعتراف بوجود فقراء وجائعين لا يعد من الكبائر الاقتصادية، بل يسلط الضوء على هذه المشكلة ويفتح المجال لنقاشها والحوار حولها، ووضع برامج وسياسات اقتصادية وتنموية لمواجهتها.
تحدِّي الجوع من أخطر التحديات التي تواجه الدول، فمشكلة الجوع عالمية الطابع، ومن المشكلات التي ينظر إليها الاقتصاديون بحذر شديد، ووجود نحو مليار جائع في العالم - حسب تقديرات الهيئات والمنظمات الدولية - قضية بالغة التعقيد، فشلت جميع الجهود والبرامج على اختلاف مستوياتها في حلها، وأدى إلى تعقيدها تنصل الدول الكبرى من التزاماتها وعدم إيفائها بوعودها تجاه تقديم الدعم اللازم للفقراء والجائعين، وزاد من أعداد الفقراء الذين يقف خط رفيع ومهلهل لينضموا إلى قائمة الجائعين.
يحاول بعض المسؤولين التعاطي مع قضية الجوع بالاختباء خلف الغربال هرباً من أشعة الشمس، وبدافع نفي المؤكد، إذ إن وجود الفقر في أصقاع البلاد، حافز لوضع برامج تواجهه، وليس تجاهله.
المؤشرات والحقائق ربما توضح نقاطاً كثيرة، وتعطي دلالات يمكن البناء عليها. فالمقرر الخاص لدى الأمم المتحدة حول الحق في الغذاء أوليفييه دشوتر الذي زار سورية خلال الفترة من 29 آب إلى 7 أيلول، قدم تقريراً للحكومة الشهر الماضي، قدر فيه الذين يعيشون في مستوى من الفقر الشديد ويواجهون انعدام الأمن الغذائي بين 2 و 3 ملايين نسمة، مقارنة بنحو مليوني نسمة وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2003ـ 2004.
يبدو الرقم صادماً، وفيه من الدلالات الكثير، وينقل المشكلة من حيز الاعتراف بها، إلى مستوى آخر أكثر أهمية وضرورة، وهو مستوى مواجهتها ومعالجتها قبل أن تتفاقم آثارها أكثر، وينضم آخرون إلى قائمة شديدي الفقر.
أكثر من ذلك، استطاع الجفاف الذي ضرب سورية خلال السنوات الأربع الماضية أن يشكل عاملاً ضاغطاً على الاقتصاد الوطني، ويرى دشوتر أن جفاف 2007 ـ 2008 كان الأكثر تدميرًا، ووصف الخسائر الناجمة عن سنوات الجفاف بأنها (كانت قاسية وبشكل خاص على سكان المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، الرقة والحسكة ودير الزور). وقال المقرر الخاص: (إن الجفاف أثر على 1.3 مليون إنسان يقطن 95% منهم في هذه المحافظات، وعانى 800 ألف منهم معاناة شديدة، وكان أكثرهم معاناة المزارعون الصغار الذين تفاقمت حالتهم عام 2010 بسبب مرض الصدأ الذي أصاب محصول القمح، والرعاة الصغار الذين فقد الكثير منهم بين 80 ـ 85 % من مواشيهم منذ 2005).
الأمر الأكثر خطورة أيضاً، هو في الهجرة التي كان الجفاف المسبب الأساسي لها، فنتائج الجفاف التي أصابت المنطقة الشرقية كان أولها الهجرة الداخلية، هرباً من الفقر والجوع والتداعيات الأخرى التي ترافق ظروفاً كهذه. تحدث دشوتر عن تقديرات يتم تداولها عن وجود مابين 29 ـ 30 ألف عائلة هاجرت في 2009، وأن الأعداد في العام الجاري قد تكون أعلى - حسب المقرر الخاص - وقد تصل إلى 50 ألف عائلة.
نعتقد أن هذه الأرقام التقديرية تعبر عن الفقر والجوع، وتضع الملح على الجرح الذي يحاول البعض تجاهله، أو عدم الاعتراف بآلامه. ولا يبرر إطلاقاً عدم الاطلاع على التقرير وما توصل إليه من نتائج نكران القضية من أساسها. فالفقر الموجود والمترافق مع الجوع حتماً، دلالة على عقم الخطط الاقتصادية والتنموية، وعدم فاعليتها، وغياب النتائج المباشرة لها، وعدم حصاد الفئات المستحقة والفقيرة وذوي الدخل المحدود لثمارها.
حاولت الحكومة بلا شك وضع بعض البدائل والخيارات لمواجهة الظروف الطارئة، رغم عدم كفايتها، ساهمت في ردم الفجوة، وتلبية بعض الاحتياجات، ولن يرى أحد الفقر والجوع في سورية لأسباب كثيرة، منها سعر كيلو الخبز ووجود التكافل الاجتماعي، وما تقدمه الجمعيات الخيرية لما يسمى بالأسر المستورة.
الجوع والفقر ليسا مرضاً اجتماعياً، هما نتيجة طبيعية للخطط والبرامج والسياسات الاقتصادية والتنموية. ومع تفاقمهما وزيادة انتشارهما، لابد من إعادة صوغ هذه السياسات والبرامج من جديد، ولحظتئذ يصبح الاعتراف بوجود الفقر والجياع تحصيل حاصل.

جريدة النور السورية\ الحزب الشيوعي السوري