الطلاق والنفقة في مشروع القانون الجديد

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

إيمان أحمد ونوس


تفترض المتغيرات الحاصلة في كل مجتمع على مرّ السنين تطوراً قانونياً يواكبها كي تبقى حالة التوازن والتفاعل موجودة دائماً على المستوى الاجتماعي، ليشعر الأفراد( نساءً ورجال) بالأمان والعدل والمساواة من حيث الحقوق والواجبات، وهذا ما كنّا نأمله بعد طول انتظار بان يأتي التغيير المنشود على قانون الأحوال الشخصية والذي تمت المطالبة بتعديله على المستوى الرسمي( الحكومي) وعلى المستوى الجماهيري( مثقفين، ناشطين، جمعيات أهلية)

حيث لم يخلُ لقاء أو مقال أو بحث من الإشارة إلى ضرورة هذا التعديل أو التغيير. ولهذا تمّ تشكيل لجنة بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء تحت رقم /2437/ تاريخ 7/6/2007لإعداد مشروع القانون والذي تم في 5/4/2009 وذلك تمهيداً لإقراره. لكن الشكل الذي جاء به المشروع برمته كان مخيّباً للآمال وللانتظار الطويل، بأنه كان صورة مستنسخة بل ومشوّهة عن سلفه القانون المعمول به حالياً، بحيث ضيّع كل بادرة أمل في إمكانية السير بالمجتمع نحو الأمام، ونحو إلغاء كل تمييز بين أفراد المجتمع بجنسيه(نساء ورجال) وبشرائحه كافة.
وفي هذه الفسحة البسيطة سأتناول ما له علاقة بالطلاق والنفقة، لأنه يشكل ظاهرة و حالة تؤرق المجتمع وتثقل كاهل المرأة لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لأنها تُعتبر وضعية ظلم واضطهاد للمرأة من خلال تبعات الطلاق على أنواعه إضافة إلى تبعات الحضانة والسكن وما إلى ذلك.
ففي الفصل الثالث المتعلق بالمتعة جاء في المادة118
1-
لكل مطلقة متعة طلاق، يقدرها القاضي ويعد فيها حال الزوج يسراً وحال الزوجة عسراً، على أن لا تزيد على نفقة سنة.
2-
المتعة للطلاق في جميع الحالات: نفقة سنة حسب حال الزوج.
تمتلك البالغة الجهاز الذي يجهزها به الأب حال صحته بالقبض، فإن جهزها حال مرض موته فلا تمتلكه إلا بإجازة الورثة.
الطلاق بالإرادة المنفردة المادة 180
1-
إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، ومتعة الطلاق.
2-
وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال.
طبعاً يُقصد بالمتعة هنا المتاع الشخصي من ملبس وما شابه. هنا نلحظ التحالف المتواري بين رجال التشريع وبين الزوج الرجل بان تكون هذه النفقة حسب حاله يسراً أم عسراً، ونحن نعرف تماماً كم وكيف يتم التلاعب في مثل هذه المسألة، حيث يكون الزوج دائماً في حال عسر لمّا يتعلق الأمر بنفقة مطلّقته، بينما نجده غالباً ما يسارع للزواج من أخرى يكرس لها كل ما يملك، وكأن هذه المطلّقة- لاسيما تلك التي لا عمل لها تعتاش منه- ليست إنسانة ولا احتياجات تتطلبها أبداً، إضافة إلى أن المبلغ أو النفقة المقررة(وحسب حالة الزوج.!!) لا يمكنها أن تساعد في سدّ الرمق لأشهر قليلة جداً، فكيف بها للسكن واحتياجات الأولاد التي لا تنتهي، وهل تمكن المرأة في محاولة إقامة مشروع يعينها على كسب رزقها وأطفالها، أليس في هذا الطرح دفعاً للمرأة لاتجاهات قد تسيء لإنسانيتها وأمومتها خصوصاً في ظل البطالة المتفشية والوضع الاقتصادي الضاغط وغلاء المعيشة، ولا نستثني إحضار العمالة الآسيوية التي قلّصت فرص النساء المحليّات في الأعمال الخدمية والمنزلية. وبعد كل هذه الضغوطات يأتي المجتمع والقانون(في حال أخطأت.؟؟) ليعاقبها فيما بعد بعقوبات أولها جريمة شرف وليس آخرها السجن.
وأما في موضوع الجهاز المُشار إليه في الفقرة أعلاه، فإنه من حقها قبضاً إن لم يكن الأب مريضاً، وإلاّ عليها أن تنتظر رحمة الورثة من الذكور الذين ربما يمنعون عنها هذا الحق، وهنا تبقى المرأة تابعة ذليلة حتى في حقوقها التي أقرها الشرع، وبذات الوقت ذاته الشرع يضعها تحت رحمة الأوصياء والورثة، فأي حق هذا يتبجح به من يقولون أنهم أنصفوا المرأة وحافظوا على حقوقها أكثر من أي مكان آخر. ألاّ يُعدُّ هذا تناقضاً صارخاً في القانون..؟
كما جاء في المادة 148
يحق للمرأة في حال الطلاق الرجوع على زوجها بما شاركته من مال وأثاث وأما النفقات فمن تاريخ المطالبة إن أثبتت ذلك أمام القاضي وإلا كانت متبرعة.
لنتخيل زوجين يبدأان حياتهما الزوجية بفواتير تحدد قيمة الأشياء التي أحضرها كلا الطرفين، هل هذا معقول وممكن لدى مباشرة حياة أسرية يُفترض أنها قائمة على التفاهم والمحبة والمشاركة لا يشوبها أي شك أو ريبة، وهل من المعقول أن تبدأ تلك الحياة بالخوف والقلق..؟ ثم ما ماهية الثقة التي ستتكون في حال اتبعت مسألة الفواتير، وما مدى إمكانية اعتراف الزوج بما شاركته به زوجته في حال حدوث الخلاف، هل في هذا الطرح ترسيخ لدعائم الأسرة القائمة على أسس المودة والرحمة كما يُقال..؟
ثمّ، كان على هذا المشروع ألاّ يغفل نقطة هامة وأساسية في هذه المادة، وإن كانت مستترة، وهي أن نسبة غير قليلة من نساء اليوم هنّ عاملات وموظفات، وبالتالي يساهمنّ برواتبهن في مصروفات الأسرة، ولم تفكر سيدة أن تدوّن أو تحضر فواتير تثبت ما ساهمت به في بيتها من أثاث ونفقة وسواهما.
لماذا لا يتم إيجاد صيغة لعقد الزواج تصون حقوق كلا الطرفين دون الحاجة لمثل هذه الاختراعات، صيغة بعيدة عن مفهوم المهر المعمول به منذ قرون، والذي يصبح في لحظة في مهب الريح أمام ما تعانيه النساء، فلا هو ضامن لإنسانيتها وحقوقها ولا لاستمرارية الزواج الكريم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكون قد فقد قيمته النقدية بمرور الزمن، وفي الحالتين يكون تحصيل حاصل.
الطلاق
المادة 166
1-
يكون الرجل متمتعاً بالأهلية الكاملة للطلاق في تمام الثامنة عشرة من عمره.
2-
يجوز للقاضي أن يأذن بالتطليق، أو يجيز الطلاق الواقع من البالغ المتزوج قبل الثامنة عشرة إذا وجدت المصلحة في ذلك.
3-
يشترط للفقرة السابقة موافقة ولي المال (أبا، أو جداً) فإذا كان غيرهما اشترط مع ذلك موافقة القاضي، ويقع الطلاق، ويكون المهر المؤخر ديناً في ذمة الزوج.
في هذه المادة ببنودها الثلاث انتقاص واضح من شخصية الرجل والمرأة معاً من حيث أن ولي الزوج الذي يريد الطلاق هو المسؤول مالياً عن ذمة الزوج، فكيف يجوز له الطلاق وهو في هذه الحالة..؟ ثم ما مدى إدراك ابن الثامنة عشر لمسؤوليات الطلاق والزواج حتى يعطيه المشرع هذا الحق وفي ذات الوقت يضع عليه وصيّاً مالياً، أليس هذا اعترافاً من المشرّع أنه ما زال غير كامل الأهلية الاجتماعية والمالية..؟ وهذا ما يناقض المادتين/44، 45/ من المشروع الجديد حيث تنص المادة 44
1-
تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر.
والمادة 45
1-
إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلباً الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.
وبالتالي لا يمكن القبول بزواج المراهقين لعدم أهليتهم ومسؤوليتهم عن تبعات الزواج في عمر مبكر.
المخالعة المادة 181
الخلع: عقد بين الزوجين يتفقان فيه على إنهاء الزواج ببدل تدفعه الزوجة أو غيرها لزوجها أو غيره بموافقة الزوج الآخر قبل الدخول أو بعده.
المادة183
يشترط في الخالعة أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق، والمرأة محلاً له ومن أهل التبرع دون إكراه أو ضرر.
المادة187
1-
لا يسجل الخلع في المحكمة قبل قبض الزوج بدل الخلع المتفق عليه.
من مجمل هذه المواد في قضية المخالعة يتضح أنها حالة تلجأ إليها المرأة كي لا تطول إقامتها في المحاكم الشرعية حيث يتعنت الزوج في الطلاق ليتهرب من دفع ما بذمته للزوجة من حقوق مالية كالمهر، وتضطر المرأة مرغمة لهذا الخيار. حتى المشرّع يعلم تماماً هذه المسألة ويعيها، لكنه كمن يخبئ وجهه في غربال هرباً بالرجل الزوج من أداء واجباته وحقوق الزوجة، وبعد هذا يضع المشرّع شرطاً لتبرع المرأة دون إكراه..؟؟؟؟؟ ثم يأتي ليقيدها بقيد عدم تسجيل الخلع في المحكمة ما لم تدفع للزوج بدل خلعه.. لماذا لا يقيّد الرجل بدفع التزاماته لمطلقته من مهر ونفقة دون وضع عبارة حسب حالة الزوج يسراً أم عسراً، وفي حالات أخرى للقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال كما هو وارد في البند/2/ من المادة/180/ أعلاه.
المادة 192
إذا كانت الأم معسرة وقت المخالعة، أو أعسرت فيما بعد، يجبر الأب على نفقة الولد وتكون ديناً له على الأم.
أما هذه المادة ففيها من التعسف الشرعي ما لم يقبله منطق أو عقل من حيث جعل نفقة الأولاد ديناً على الأم في حال كانت معسرة، هل هم أولادها وحدها..؟ أليس هو والدهم ولهم الحق في نفقته ورعايته..؟
ثمّ من أين لهذه الأم أن تدفع هذا الدين وهي ترعى الأولاد، وقد تكون بلا عمل أو شهادة تؤهلها لتأمين عمل والجميع يعرف ما تعانيه البلد من ارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة. وحتى إذا كانت تعمل، هل يكفي راتبها لتغطية النفقات التي يعجز عنها في غالبية الأسر رواتب الأبوين معاً إضافة للأعمال الأخرى التي يقوم بها أحدهما أو كليهما بعد الوظيفة الحكومية إن وجدت. هل بلغ حدّ التمييز عند المشرّع هذا المستوى من اضطهاد المرأة الأم وهي التي رفعها الدين لمرتبة القداسة..؟ هكذا تقابل من أنجبت وربّت وأنشأت أسرة..؟
أبكل هذا الجحود تعامل الأم في نظر مشرّع القرن الحادي والعشرين..؟
أليس هذا دفعاً للمرأة والأم للتنازل عن إنسانيتها وأمومتها وكرامتها...؟ أليس توريطاً لها كي تسير في دروب لا ترغبها ولا تليق بأمومتها لكنها كما يقول المثل " مرغم أخاك لا بطل" ثم ليأتِ الرجل والوصي على القيم والأخلاق ويقتلها تحت مسمى جرائم الشرف.
أين يقع الشرف في مثل هذه المواد التي تجعل الأم والمرأة رهينة إرادة ذكورية قبلية منحازة تماماً لسلطوية المشرّع الرجل..؟
كما أن العديد من مواد هذا المشروع تتعارض وتناقض الكثير من مواد الدستور المعمول به في سورية. كنّا نأمل بعد توقيع سوريا على الاتفاقيات الدولية التي تدعّم المساواة بين أفراد المجتمع عامة وبين المرأة والرجل خاصة، كنّا نأمل بمشروع قانون متطور لأحوالنا الشخصية يرتقي بالشخصية وقيمها وإنسانيتها لا أن يعود بها إلى زمن أكل الدهر عليه وشرب