مشروع قانون الأحوال الشخصية...... خطوات إلى الوراء

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

فتاح عيسى

لا شك أن تطور المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً يستوجب معه تطوراً في القوانين التي تحكم هذا المجتمع، ومجتمعنا السوري المعروف عنه ليس على مستوى الوطن العربي فقط وإنما على المستوى العالمي أنه مجتمع متطور ومثقف وعقلاني وغير مؤمن بالخرافات والعادات والتقاليد البالية يلزمه قوانين تساير هذا التطور الحاصل فيه من جميع النواحي، وهو ما كنا نتوقعه من مشروع قانون الأحوال الشخصية السورية الجديد

فمن المنطقي أن توجيه السيد رئيس مجلس الوزراء بالعمل على صياغة مشروع بديل لقانون الأحوال الشخصية الحالي كان استجابة للتطورات العلمية والثقافية والاجتماعية في سورية، ولكن اللجنة المشكلة لهذا الغرض جاءتنا بمشروع بعد قرابة السنتين أقل ما يوصف به أنه......خطوة إلى الوراء.
كلمات وتعابير بالية ومعيبة أكل الزمان عليها وشرب
عند قراءة أي شخص للمشروع سيجد كلمات وتعابير مثل "النكاح - الواطئ – الموطوءة – اللعان – تحل له شرعاً – حد القذف .........الخ" وهي كلمات وتعابير منها ما أصبحت بالية مثل النكاح وكان من المفترض إبدالها بكلمات أكثر حداثة ومراعاة لنصف المجتمع، فهذه الكلمة البالية تدل على فعل من طرف وبالتالي مفعول به من طرف آخر وكان الأجدر أن نقول بدلاً عنه "زواج" التي تعبر عن رابط للحياة المشتركة، وأيضا هناك كلمات مثل "الواطئ والموطوءة" والتي تعتبر الإنسان بمثابة مداس لآخر.
ومن الكلمات التي تحمل في طياتها التخلف "اللعان" وبهذه الكلمة السحرية ينفي الرجل نسب طفله بعيداً عن الأخذ بما يُسمى بتحليل "DNA" المطبق عالمياً والذي ربما لم يسمع به من عمل في المشروع الجديد رغم أن المادة 24 الفقرة 1 من الدستور السوري تقول بأن العلم والبحث العلمي وكل ما يتم التوصل إليه من منجزات علمية ركن أساسي في تقدم المجتمع العربي الاشتراكي وعلى الدولة أن تقدم له الدعم الشامل، فأين العلم والبحث العلمي وأين الدعم في "اللعان"، وكذلك يأتي ما يسمى بـ "حد القذف" في المادة 70 دليل واضح على التراجع للوراء والتخلف فهذا الـ "حد" تجنبه القانون الحالي الساري المفعول، وجاء مشروع القانون الجديد ليؤكد عليه مرة أخرى.
وأيضاً تعبير"تحل له شرعاً" فيه إجحاف بحق المرأة حيث تعتبر المرأة شيء يملكه الرجل وتناقض مع المادة 25 الفقرة 3 من الدستور والتي تقول بأن المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وورود التعبير في القانون فيه تناقض فالمادة 27 من المشروع تقول الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل، فأين معنى تعبير "رابطة للحياة المشتركة" من معنى "تحل له شرعاً"؟؟؟؟؟؟؟
المشروع تكريس للطائفية في المجتمع
إضافة إلى أن المشروع الجديد خصص كتاب كامل تقريباً للطوائف وكان نصيب كل طائفة باب كامل، رغم أن القانون الساري المفعول خصصهم بمادتين فقط، فإن الكثير من المواد في المشروع الجديد تكرس الطائفية في المجتمع، مع أن المجتمعات الحديثة تتجه إلى قوانين مدنية تحد من تأثير الخلافات الطائفية في المجتمع وتجعل العدالة والمساواة أساساً للتعامل بين المواطنين، ففي المادة 13 من المشروع والتي تقول: عند اختلاف طائفة الزوجين تكون المحكمة الروحية المختصة بالنزاع هي محكمة الطائفة التي ينتمي إليها الزوج؛ هذه المادة تكرس الطائفية وتميز بين الرجل والمرأة وأيضاً تخالف المادة 25 الفقرة 3 من الدستور والتي تقول بأن المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.....فأين التساوي في هذه المادة!!!!
والمادة 92 من المشروع أكبر مثال على الطائفية من جهة وعلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة فحسب هذه المادة زواج المسلمة من غير المسلم يعتبر باطلاً، وهذا لا يطبق على زواج المسلم من غير المسلمة!!!!!!

ومن المواد التي تكرس الطائفية المادة 278 من المشروع والتي تعتبر الطفل المهمل مسلماً إذا وجد وليداً في حي أو شارع معظم سكانه من المسلمين بموجب بيان من مختار المحلة، أو وجد ملقى على باب أحد المساجد أو الزوايا، وكذلك المادة 284 تشترط في الحاضنة إذا كانت امرأة أن تكون غير مرتدة عن الإسلام في الفقرة هـ،

مشروع أسود بحق المرأة والطفل
رغم أن مجلس الشعب في سورية قد صادق على اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" واتفاقية حقوق الطفل فإن المشروع تجاهل هاتين الاتفاقيتين، حيث غابت حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل ضمن مواد المشروع الجديد وكذلك حقوق الطفل،فالمادة 44 الفقرة 1 والتي تقول: تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر فيها تمييز بين الذكر والأنثى وتناقض الاتفاقيات والدستور، وتأتي المادة 45 الفقرة 1 كاستثناء مثير للشبهة والمادة تقول: إذا أدعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، فالجسد أصبح معياراً للبلوغ!!!!!!! والقاضي هو الحكم في هذه المسألة!!!؟؟؟ والمادة تناقض الاتفاقيات والأسس المنطقية والعلمية التي تشير إلى مخاطر الزواج على الفتاة قبل بلوغ 18 سنة، وكذلك نجد أن المادة 53 الفقرة 1 تقول إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤاً لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح ما يعني تحكم الرجل بالمرأة حتى لو تجاوزت سن البلوغ والأهلية، وأيضاً المادة 261 والتي سبق وأشرنا إليها والتي ينفي فيها الرجل نسب طفله باللعان وهذا إجحاف بحق المرأة والطفل معاً.
وفي فصل ثبوت النسب نجد التمييز واضحاً في المادة رقم 270 الفقرة 1 تؤكد أن النسب يثبت بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، وكذلك المادة 271 الفقرة 1 التي تجحف بحق الطفل المجهول النسب وتقول: لا يثبت النسب بالتبني ولو كان الولد المتبنى مجهول النسب، وفي المادة 272 الفقرة 9 نجد وصف الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بـ "المعاق" فيه شيء من عدم مراعاة لشعورهم حيث تقول المادة يتمتع الطفل المصاب بإعاقة بالحق برعاية خاصة تناسب وضعه الصحي لتسيهل إدماجه في المجتمع.
وفي حق المرأة بحضانة طفلها نجد أن المادة295 تجحف بحق المرأة في حضانة طفلها حيث تقول المادة في الفقرة 1 : تسقط حضانة الأم أو غيرها من الحاضنات إذا تزوجت بزوج غير محرم للصغير، ولو لم يتم الدخول، وهو السبب الذي يجعل النساء يعزفن عن الزواج مرة ثانية حتى لو توفى زوجها بسبب رغبتها في حضانة طفلها رغم أن الفقرة 2 من المادة نفسها تقول إذا كان مصلحة المحضون بقاؤه مع أمه، ووافق القاضي على ذلك فيبقى الطفل في بيت زوج أمه مع أن مصلحة الطفل معروفة ولكن يبقى موافقة القاضي هو الحكم في هذه المسألة؟؟؟
هذا غيض من فيض من المواد التي تتجاهل الاتفاقيات التي وقعتها سورية وتتناقض مع الدستور السوري وتضرب بحقوق المرأة والطفل في عرض الحائط ........ فهل نتوقع من مجلس الشعب موافقة على مثل هذا المشروع الأسود؟؟؟؟؟؟