هل يعرف الإنسان العربي حقوقه كي يدافع عنها ؟

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

هل يعرف الإنسان العربي حقوقه كي يدافع عنها ؟

د. فيصل القاسم

القول بأن محكمة الحريري ستردع أجهزة القتل والتصفيات والاغتيالات في العالم العربي، وستكف أيديها عن سفك دماء الناس أقرب إلى التنكيت من أي شيء آخر. فهي، كما قلت، حركة موسمية سياسية لأغراض معينة لا تسمن أو تغني من جوع. لكن ذلك لا يعني أبداً أن تسلـّم الشعوب العربية رقابها لسكاكين القتلة والسفاحين إلى ما لا نهاية، فهناك طرق أنجع بعشرات المرات من المحاكم التي يختلقها مجلس الأمن الدولي لأهداف سياسية مفضوحة آخر ما يهمها تحقيق العدالة للمغدورين ومعاقبة المجرمين.

قبل أن تتنطع الهيئات والمنظمات الحقوقية العربية والدولية وتدعو إلى القصاص من محترفي القتل والتصفيات الجسدية لا بد لها أولاً أن تضع أقدامها على أسفل درجات السلم، وذلك بتصميم برامج توعية كبرى وشن حملات مكثفة ومدروسة وواسعة النطاق لتعريف الشعوب العربية بحقوقها، وتعليمها ألف باء حقوق الإنسان، خاصة أن السواد الأعظم من شعوب المنطقة تجهل حقوقها تماماً، وليست لديها ثقافة الدفاع عنها أو ملاحقة المعتدين عليها تنكيلاً أو قتلاً. هل يعرف الإنسان العربي حقوقه أصلاً كي يدافع عنها؟

ولابد من أجل هذه الغاية النبيلة أن تتكاتف جهود المنظمات العربية والدولية مع وسائل الإعلام، لنشر ثقافة الدفاع عن الحقوق الإنسانية المغتصبة وردع منتهكيها والعابثين بها. فللأسف الشديد قلما تجد وسيلة إعلام عربية تتصدى للتعريف بحقوق الإنسان وتنوير الجماهير بأساسياتها. فنحن نعاني من أمية القراءة والكتابة، فما بالك أن يكون لدينا وعي بحماية الحقوق والكرامة الإنسانية، فهذا مازال ترفاً بالنسبة للكثيرين. لذا لا بد أن تصبح ثقافة حقوق الإنسان مقرراً إعلامياً، ويا حبذا لو تصبح مقرراً تعليمياً، مع الاعتراف باستحالة إدراج هذا المقرر في المناهج العربية، على اعتبار أن الأنظمة العربية مستمتعة في تعميم الجهل بالحقوق الإنسانية، وليس من مصلحتها أبداً أن تفتح عيون الناس عليها. لهذا تقع هذه المسؤولية على عاتق أجهزة الإعلام المستقلة وشبه المستقلة، خاصة الانترنت التي يزداد عدد مرتاديها في العالم العربي يوماً بعد يوم.

إذا كانت وسائل الإعلام مهتمة فعلاً بنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان فيجب أن تبدأ بتخصيص برامج تلفزيونية مشوقة وجريئة لتنوير العامة وفتح أعينها على مئات الحقوق المدوسة تحت نعال السلطات العربية الباطشة وأجهزتها القمعية. أين تلك البرامج التلفزيونية التي تنور المشاهدين بحقوقهم؟ إن برامج كتلك ستكون أكثر نفعاً وتأثيراً من عشرات البرامج التي تتناول تقارير المنظمات الحقوقية العربية والدولية التي تفضح سجل الأنظمة العربية في انتهاك حقوق إنسانها؟ صحيح أن الفضح قد يردع قليلاً، لكن الرادع الحقيقي والناجع لقوى البطش والقمع والتسلط هي الشعوب الواعية لحقوقها أولاً.

وكلما ازدادت معرفة الجماهير بحقوقها غدت السلطات أكثر حذراً في بطشها وتجاوزاتها. وكلما زادت نسبة الوعي الشعبي بالحقوق تلاشت ثقافة الخوف لدى الناس. فالجماهير تخشى المطالبة بحقوقها والدفاع عنها بسبب الجهل، لهذا كلما نمت المعرفة لدى العامة أصبحت أكثر قدرة على المواجهة والتصدي لأجهزة التسلط ودوس الحقوق. ألا يقولون إن المعرفة قوةknowledge is power ؟

أما فيما يخص المحاكم الدولية، فيمكن أن تتخلص من التهم التي تلاحقها بأنها محاكم مسيسة ومغرضة بأن تفعـّل فروعها الجديدة التي يجهل وجودها ملايين الناس في الشرق والغرب على حد سواء. وهذه الفروع التابعة لمحكمة الجنايات الدولية أصبحت مستعدة لقبول الدعاوى التي يرفعها أي فرد في أي بلد في العالم على المسؤولين والأجهزة التي انتهكت حقوقه أو اعتدت عليها تنكيلاً أو بطشاً أو قتلاً. بعبارة أخرى غدا بإمكان المتضررين من الأنظمة القمعية والتسلطية في العالم العربي، ربما لأول مرة في التاريخ، أن يرفعوا دعاواهم ضد هؤلاء إلى المحكمة الدولية دون أن يدفعوا قرشاً واحداً من تكاليف المحاكمات. وهو تطور في غاية الأهمية وثمرة رائعة من ثمرات العولمة القضائية.

وكي تكسب المحاكم الدولية احترام المظلومين والمفجوعين في العالم العربي عليها أن تشجع المتضررين من الأجهزة العربية على رفع دعاواهم مباشرة إليها كما وعدت، وأن ترفق ذلك أيضاً بحملات توعية واسعة النطاق كي لا يبقى الأمر نوع من الترف الحقوقي. كما ينبغي عليها أيضاً أن تنظر في القضايا المرفوعة إليها بالسرعة القصوى، وأن تعطيها أهمية إعلامية كبرى بحيث يسمع بها القاصي والداني، وتصبح خبراً رئيسياً في نشرات الأخبار وصدر صفحات الجرائد ومواقع الانترنت، كما عاملت محكمة الحريري. فهل سيستغل الإنسان العربي مكرمة العدالة الدولية التي تسمح الآن بمقاضاة جلاديه مباشرة؟ لابد له أن يسارع فوراً كي يمتحن مدى جديتها ونجاعتها؟

بالإضافة إلى ذلك هناك تطور قضائي تاريخي لم يسمع به الكثيرون حتى الآن ألا وهو تحميل مسؤولي التعذيب ومنفذيه في السجون العالمية المسؤولية مباشرة عن شر أعمالهم، بحيث يصبح كل مسؤول يمارس التعذيب أو القتل أو العنف بحق المساجين مسؤولاً عن فعلته شخصياً بعد أن كان يحتمي في الماضي بالجهاز التابع إليه، أو يتحجج بأنه يقوم بواجبه المهني. فعلى المتضررين أن يبلغوا المحاكم والهيئات الدولية بأسماء الجلادين وفناني التعذيب في السجون العربية، أو على الأقل فضحهم شخصياً بالأسماء، هذا إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، خاصة أن الأجهزة العربية تعرف كيف تخفي وتحمي أدواتها.

قد يجادل البعض بأن أصحاب هذه الدعوات متفائلون أكثر من اللازم، خاصة أن معظم ضباط الأمن العرب الملطخة أياديهم بدماء الألوف يسرحون ويمرحون على كيفهم في أوروبا مستمتعين بالملايين التي نهبوها أثناء فترة خدمتهم، ولا أحد يقترب منهم. وهذا طبعاً صحيح، لكن اللوم لا يقع هنا على المحاكم الدولية، بل على نشطاء حقوق الإنسان العرب والمنظمات العربية والدولية. فلماذا لا تسارع إلى الكشف عن أسماء المجرمين المتخفين تحت يافطات رجال الأعمال في بلاد الغرب وتعميم أسمائهم على وسائل الإعلام الغربية على الأقل كي تبدأ ملاحقتهم. ألم تنجح بعض المنظمات في إرهاب بعض المسؤولين العرب السابقين وزربهم في بلدانهم ومنعهم من زيارة أوروبا بعد أن رفعت دعاوى عاجلة ضدهم في المحاكم الدولية والغربية أثناء تواجدهم في بعض العواصم الغربية؟ ألم يهرب وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار بسرعة البرق من باريس بعدما لاحقوه قضائياً على جرائمه السابقة؟ ألم يفر وزير الداخلية التونسي السابق من سويسرا بعد أن رفع بعض النشطاء التونسيين دعوى ضده في المحاكم السويسرية؟

إذن بدلاً من اللطم والعويل والتباكي على حقوق الإنسان العربية المغتصبة على أيدي الجلادين والقتلة الرسميين، لا بد من التحرك على صعيد تنوير الناس بحقوقهم، وحلب العولمة القضائية إلى آخر قطرة، فما ضاع حق وراءه مُطالب.