عمال القطاع الخاص في طرطوس حقوق ٌ مهدورة وهروبٌ من (دلف) الحرمان... إلى (مزراب) النسيان

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

عمال القطاع الخاص في طرطوس حقوق ٌ مهدورة وهروبٌ من (دلف) الحرمان... إلى (مزراب) النسيان

لا نبالغ إذا قلنا إن عين الريبة وعدم الثقة هي العين التي ينظر بها العاملون في القطاع الخاص وتحديداً من هم غير مشمولين بمظلة التأمين إلى مديرية التأمينات الاجتماعية بطرطوس التي يفترض بها أن تكون الضمانة الحقيقية لهم

كونها الجهة الحاضنة لمصالحهم والمعنية أولاً وأخيراً بتحصينهم من جشع أرباب العمل لكنها، وعلى مايبدوبدأت تغرد في سربٍ آخر لا تحلق فيه أوجاع العمال ومصالحهم حتى ضاع ما ضاع للعمال من حقوق وأصبحت سمعة التأمينات على المحك.

إحصائياً

يبلغ عدد عمال القطاع الخاص المسجلين في التأمينات بمحافظة طرطوس /11/ ألف عامل وعاملة، أما عدد العمال غير المسجلين فهوحوالى 7 آلاف عامل، وعدد العمال المؤمن عليهم لدى التأمينات الاجتماعية في المرحلة الثالثة للمنشآت التي يزيد عدد عمالها عن خمسة عمال /7393/ عاملاً، وفي المرحلة الرابعة للمنشآت التي يقل عدد عمالها عن خمسة عمال /4189/ عاملاً، والفارق أن الضمان التأميني لعمال المرحلة الرابعة يقتصر على إصابات العمل والعجز الطبيعي والوفاة الطبيعية ولكن إضافةً لتلك المزايا يحصل عمال المرحلة الثالثة على تعويضي نهاية الخدمة والشيخوخة، وفي حين يشكل المبلغ التأميني المقتطع من الراتب الشهري للعامل ما مقداره 5% فقط من الكتلة الشهرية للأجور بالنسبة للمرحلة الرابعة فيما تصل نسبة الاشتراك الشهري التي يتوجب على صاحب العمل دفعها لـ 24,10% في حين يدفع العامل ما نسبته 7٪ من الأجر الشهري، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن القيمة العظمى من هذه الكتلة النقدية تقتطع من أجور العمال في ظل غياب الإجراءات الرادعة بحق أصحاب العمل الذين غالباً ما يتنصلون من دفع مستحقاتهم حتى لا يبقى من خاسرٍ إلا العامل الذي يضطر ليدفع من ثمرة جهده وعرقه ما لزم لغيره أن يدفعه أي صاحب العمل.

استقالات مسبقة

درج الكثيرون من أرباب العمل على إلزام عمالهم بتوقيع استقالات مسبقة لضمان عدم مطالبتهم بحقهم التأميني الذي كفله لهم القانون دون أن يكون لهم حتى حق الرفض تحت ضغط الحاجة للعمل والحفاظ على لقمة العيش، علماً أن المادة /61/ من قانون العمل تحظر توقيع مثل هكذا استقالات، لكن وعلى مايبدو فإن القانون في ضفة وما يجري على الأرض في ضفة أخرى.

فالمادة /61/ من قانون العمل تلزم أصحاب العمل بالحضور إلى مديرية الشؤون الاجتماعية أثناء توقيع العمال على طلبات الاستقالة لضمان عدم التلاعب من قبل أرباب العمل، إلا أن قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإلغاء العمل بهذه المادة جاء غيثاً من السماء لأصحاب العمل بعد أن أعفاهم من الحضور شخصياً أثناء توقيع الاستقالة مقابل منح العامل مدة 3 أشهر لتقديم الاعتراض، ويرى الكثيرون من العمال في هذا القرار الوزاري بأنه قد فتح باباً جديداً للتلاعب بمصيرهم إذ أصبح بمقدور أصحاب العمل تقديم الاستقالات الموقعة مسبقاً من قبلهم إلى ديوان المديرية بينما يُبقيهم صاحب العمل على رأس عملهم لحين انقضاء المدة القانونية المحددة بثلاثة أشهر قبل تسريحهم فيكون العامل آنذاك قد فقد حقه بالمطالبة بأبسط حقوقه التي ضمنها له القانون.

الأجور

على الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في القطر العربي السوري قد ارتفع بموجب المرسوم الأخير إلى (9765) ل.س شاملاً بذلك كلا القطاعين العام والخاص إلا أن غالبية المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية مازالت تبخس عمالها هذا الحق لدرجة أن معظم الأجور لا تصل في حدها الأعلى إلى الحد الأدنى من الأجور، حتى إن الأمور تصل ببعض العمال كعمال محطات الوقود لتقاضي مبلغ 1000 ليرة فقط كأجر شهري، معتمدين على فارق الليرات التي يتركها أصحاب السيارات التي تتزود بالوقود أوبما يحن عليهم صاحب المحطة من (بخشيش) بين فينةٍ وأخرى.

لا تقيّد

حدد قانون العمل عدد ساعات العمل بالنسبة للقطاع الخاص بـ 48 ساعة أسبوعياً بفارق حوالى 10 ساعات عن عمال القطاع العام، لكن وللأسف مازال الكثيرون من أرباب العمل يضربون بهذا القانون عرض الحائط ويلزمون عمالهم بساعات عمل إضافية دون تعويض للأجور ودون أن يكون لهم حتى خيار المطالبة لأن الفصل من العمل سيكون الخيار الوحيد والمصير المحتوم الذي ينتظرهم.

تهرّب تأميني

يعتقد صاحب العمل أنه بتهربه من تسجيل عماله في التأمينات يشكل وفراً في النفقات وهذا يفسر سر ارتفاع حجم الديون المترتبة على أرباب العمل لصالح مديرية التأمينات الاجتماعية لحوالى /90/ مليون ليرة حتى نهاية عام 2010، وهذا بدوره يعطي دلالة أكيدة على حجم ما يتعرض له العمال من ظلم مركب يلحق بهم، لجهة أن صاحب العمل يصرح عن عماله تصريحاً جزئياً وحتى الجزء المصرح به لا تعلن فيه الأجور الحقيقية. كما أن معظم المبالغ التأمينية تقتطع من أجور العمال هذا في حال قام أرباب العمل بالتأمين على عمالهم.

لا يلبي التطلعات

على الرغم من أن واجب اللجان التفتيشية يقتضي الكشف على السجلات الممهورة بختم المديرية للتأكد من صحتها بالتالي مطابقتها مع الواقع الفعلي إلا أن معظم أصحاب العمل مازالوا يعمدون إلى إخفاء الأعداد الحقيقية للعمال أمام مفتشي التأمين أثناء قيامهم بجولات التفتيش الدورية، وذلك بتقديم سجلات غير حقيقية لا تصرح عن الأعداد الحقيقية للعاملين لديهم بعد تهريبهم من الأبواب الجانبية المخصصة لهذه الغاية.

كما أوضح لنا بعض العمال الذين انصاعوا غير مخيرين لرغبة صاحب العمل خوفاً من التفريط بلقمة العيش التي تكفي بالكاد عوز الحاجة للآخرين، إضافة لغيرها من الأساليب التي تفضي لنتيجة واحدة وهي تنصل أصحاب العمل من واجباتهم والتزاماتهم تجاه المؤسسة التي يفترض بها أن تكون الضامنة الحقيقية لحقوق الجميع هذا في حال افترضنا أن هذه اللجنة تقوم بدورها على أكمل وجه دون أن نغفل حالةً انعدام الثقة بين العمال ولجان التفتيش لدرجة أن بعض العمال قد اتهموها بالتلاعب من خلال قيامها بإبلاغ أصحاب العمل عن مواعيد زياراتها ليعمدوا إلى تهريب عمالهم قبل وصولها خاصةً مع ما لحظه العمال من غيابٍ لهذه الجولات التفتيشية على مدى عامٍ كامل.

كي لا تضيع

وفقاً لإحصائيات مديرية صناعة طرطوس يبلغ عدد المنشآت الصناعية المرخصة في محافظة طرطوس حوالى 6000 منشأة صناعية، والمعروف أنه من شروط الحصول على الترخيص الصناعي إعلان صاحب المنشأة تعهده بتقديم فرص عمل لعدد من العمال لكل منشأة وفقا لطاقتها الإنتاجية المحددة من قبل وزارة الصناعة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك حيث لا يوجد التزام من أصحاب التراخيص بتعيين العمال المصرح عنهم في ظل غياب أوتراخي الإجراءات المتخذة بحق المخالفين من أصحاب العمل فهي لا تتعدى كونها إجراءات بسيطة خاصة لجهة مخالفة لشروط التسجيل والتهرب من تعيين العمال المصرح عنهم، وهذا يعني بالضرورة حرمان الكثير من العمال حقهم في الحصول على فرصة عمل بمقتضى ما جاء في الترخيص من شروط ملزمة لأصحاب العمل بتعيين بعضهم.

ومن جهةٍ أخرى نجد أن معظم العمال الراغبين بتسجيل أسمائهم في مكتب التشغيل أملاً بالحصول على وظيفة حكومية يرون فيها ضمانة حقيقية لحاضرهم ومستقبلهم، نجد أن من جملة الأوراق المطلوبة (وثيقة غير مشمول بالتأمينات) مما يضطر العاملون المشمولون بالمظلة التأمينية لتقديم استقالات صورية أي ضياع حقهم التأميني في حال عدم حصولهم على الوظيفة (الحلم) وبالتالي لا يطالون سماءً ولا أرضا لتبقى رياح أهواء أصحاب العمل تتقاذفهم دون هدى.

التأمينات تجيب..

ولوضع النقاط على الحروف توجهت (البعث) للسيد محمد رسلان معاون مدير التأمينات الاجتماعية في طرطوس حول النقاط الآنفة الذكر إضافةً لدور التأمينات في حماية وصون حقوق عمال القطاع الخاص وما يتوجب عليها اتخاذه من إجراءات وما يعترض سير عملها من عراقيل فأجاب: يتمثل دور التأمينات الاجتماعية بكونها صمام الأمان والضمانة الحقيقية للعامل ورب العمل على حد سواء والجهة المعنية بفض النزاعات التي قد تنشأ بين طرفي العلاقة من خلال اللجان المشكلة في المحافظات لهذه الغاية، وتأمين المساهمة الفاعلة في نشر المظلة التأمينية على معظم عمال القطاع الخاص ويتم ذلك من خلال القيام بجولات مشتركة من قبل (ممثلي العمال-مفتش العمل الصناعي-مفتش التأمينات الاجتماعية) للاطلاع عن كثب على وضع المشاة والعاملين فيها، وما إذا كان صاحب العمل قد أمن على عماله أم لا ليصار في حال تهربه من هذا الاستحقاق لمخالفته وإلزامه بتسجيل عماله وفقاً لما يقتضيه قانون العمل وغالباً ما يتم التأكد من أعداد العمال العاملين في المنشأة من خلال تقديم صاحب العمل لسجلات ممهورة بختم المديرية تبين الأعداد الحقيقية للعمال للجنة التفتيش، الأمر الذي من شأنه أن يضع حداً لتلاعب بعض أرباب العمل في التصريح عن عمالهم من خلال تقديمهم لسجلات غير ممهورة بما يضمن وقوع رب العمل تحت المواد الجزائية من قانون العمل لمثل هذا النوع من المخالفات والعمل على اتخاذ قرارات حاسمة بإغلاق المنشآت المخالفة كحل رادع وعدم الاكتفاء بالإجراءات الروتينية غير الملزمة، وأشار إلى أنه لابد من تفعيل دور مفتشي الصحة والسلامة المهنية الذين يقومون بمسح جميع المنشآت المتواجدة بالمحافظة والوقوف عن كثب على الأمن الصناعي في المنشأة ومراعاة الشروط المهنية وسلامة العمل والقيام دوريا بقياس العوامل الملوثة للبيئة والمؤثرة على العامل والعمل كالضجيج وتلوث الهواء...الخ

لابد من تجاوزها

وبالنسبة للعقبات التي تعترض سير عملية المسح التأميني بالسرعة والكثافة المطلوبة أوضح محمد أنه في محافظة مترامية الأطراف كطرطوس فإن مديرية التأمينات بحاجةٍ ماسة لفريق عمل كبير وكادرٍ مؤهل وعدد كاف من آليات الخدمة اللازمة للقيام بالجولات التفتيشية حيث لا يوجد حالياً سوى سيارة خدمة واحدة وهي مخصصة للقيام بأكثر من مهمة خلال اليوم الواحد، إضافةً لكون المؤسسة تعاني نقصاً حاداً في عدد المفتشين حيث يقع كامل عبء العمل على عاتق 4 مفتشين فقط، وفسّر سبب غياب الجولات التفتيشية خلال العام الفائت عن المعامل والورش بما اشترطه القرار الوزاري الصادر قبل حوالى العام عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لجهة تأمين الكادر اللازم والمؤهل لتولي هذه المهمة الحساسة وتحقيق الغاية الأساسية لعمل المفتشين، مما تسبب بتوقف العمل بدوائر التفتيش في مؤسسة التأمينات وذلك لعدم إمكانية تطبيق الشروط اللازم توفرها بالقرار /19/ وهي الشهادة الجامعية المطلوبة للمفتش /حقوق-اقتصاد/ حتى قبل شهرين من الآن حيث تم تعيين 4 مفتشين لتولي هذه المهمة وقد بدؤوا فعلاً بجولاتهم التفتيشية بعد انقطاعٍ دام حوالى العام.

وأدت في مهدها

ولمعرفتنا بالدور الفاعل والمؤثر الذي قد تلعبه مكاتب التشغيل الخاصة في حال تحولت إلى حقيقة واقعة على الأرض خاصةً بعد صدور التعليمات التنفيذية للقانون /17/ لعام 2010 التي من شأنها تنظيم عملية الترخيص وتحديد آلية العمل في هذه المكاتب وما إذا كانت محافظة طرطوس قد بدأت فعلاً بهذه الخطوة الهامة التي من شأنها أن تمتص الشيء الكثير من البطالة توجهنا بالسؤال للسيد محمد صقور مدير التأمينات الاجتماعية بطرطوس فأكد لنا أنه ومنذ صدور القرار قبل عدة أشهر من الآن لم يتقدم أحد في المحافظة بطلب ترخيص، وعزا السبب للشروط المطلوبة للترخيص والتي اعتبرها الكثيرون صعبة وربما تعجيزية خاصةً الشرط المتعلق بارتفاع المبلغ التأميني (الكفالة) المطلوب كشرطٍ من شروط الترخيص لحوالى /20/مليون ليرة سورية إضافةً لرسوم الترخيص المحددة بـ/300/ألف ليرة سورية،كما أكد صقور أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قامت قبل حوالى الشهرين بتعيين 4مفتشين جدد من حملة إجازتي التجارة والحقوق في إطار خطة الوزارة لتعيين مفتشين من حملة الإجازة الجامعية للقيام بعمليات المسح التأميني الشامل بعد أن توقفت عمليات المسح لمدة تزيد عن 8 اشهر، الأمر الذي شكل فرصةً سانحة لأصحاب العمل للتهرب من تسجيل عمالهم.

وختاماً نقول..

تشير معظم الدلائل والمعطيات التي تحول بعضها فعلاً إلى واقعٍ ملموس إلى أن محافظة طرطوس مقبلةٌ على عددٍ كبيرٍ من المشاريع الاقتصادية والسياحية الهامة التي من شأنها أن تمتص الجزء الكبير من العمالة الخاصة، الأمر الذي يتطلب بالضرورة من الجهات والوزارات المعنية ضرورة اتخاذ ما يلزم من قوانين وإجراءات من شأنها حماية سلامة وضمان حقوق العمال في القطاع الخاص بما يسهم في تغيير الثقافة الشعبية السائدة بربط فكرة العمل بالوظيفة الحكومية وحدها من خلال تقديم ما يلزم من ضمانات الحرص على حياة وسلامة هؤلاء العمال على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بشكل عادل للجميع تحت مظلةٍ تأمينيةٍ واحدة وشاملة، يتساوى فيها عمال المرحلتين الثالثة والرابعة بكلتا الميزات وذات الأجر، وإلغاء القرارات الوزارية التي عطلت تفعيل العمل بالمادة رقم /61/ من قانون العمل انطلاقاً من مبدأ أن القانون لا يُعدل أويُلغى إلا بقانون، وإلزام وزارة الصناعة لطالبي الترخيص الصناعية الجديدة بتقديم البيانات التي تثبت تسجيل عمالهم في التأمينات كما هوالحال في وزارة السياحة،وعدم إلزام العمال الراغبين بتسجيل أسمائهم في مكاتب التشغيل بتقديم وثيقة (غير مشمول بالتأمينات) إلا بعد حصول العامل فعلاً على الوظيفة الحكومية، وبمقتضى ذلك يتم تقديم الاستقالة أي بعد الحصول على الوظيفة لا أثناء تقديم الطلب ضماناً لحقهم....؟!!!

نضع هذه المطالب على أجندة الوزارات المعنية على أمل أن تأتينا رياح الإصلاح بإجابةٍ شافية.

روبيل صبح-البعث ميديا