الملفات التي يجب أن تُسأل عنها حكومة العطري

أنتبه, فتح في نافذة جديدة. صيغة PDFطباعةأرسل لصديقك

الملفات التي يجب أن تُسأل عنها حكومة العطري

- 1.4 مليون مواطن سوري دخلوا دائرة الفقر العام

-39 ألف فرصة عمل فقط في الدولة خلال خمس سنوات

-الفساد...مطلوب حر للعدالة و سورية في مراتب متأخرة بالشفافية

-تعيين أشخاص بمناصب إدارية دون معايير علمية خلق فجوة بين المواطن و الدولة

لا نريد فتح هذه الملفات لمحاسبة أشخاص، بل لمحاسبة سياسات و الوقوف على نتائج توجهات اقتصادية طبقت في سورية و مقارنتها بالأهداف التي وضعت لها...

فالمرحلة التي تمر بها البلاد حالياً، وما ينتظرها من استحقاقات و تحديات توجب أن نكون صادقين مع أنفسنا و شعبنا، تمهيداً لانطلاقة جديدة صحيحة تقوم على الاستفادة من الايجابيات التي تكرست في المرحلة السابقة، و تجنب النتائج السلبية و الثغرات التي لحقت بالاقتصاد الوطني بقطاعات المختلفة و بشرائحه الاجتماعية المتباينة..

و لذلك فإننا سنركز على ملفات اقتصادية تميز بها عمل حكومة عطري، و نبتعد قليلاً عن تفاصيل كل وزارة و مؤسسة و جهة عامة، على أمل أن تتجه الحكومة للاهتمام بذلك عبر لجان موضوعية و علمية تهتم بكل قطاع على حدا، و كما ذكرنا ليس لمحاسبة أشخاص كما قد يعتقد البعض، لكن لمعرفة أين وصلنا...و أين نقف؟!.

الفقر أولاً

ترتبط الملفات الاقتصادية التي نفتح باب النقاش حولها بحياة المواطنين بشكل مباشر، وقد أثارت هذه الملفات خلال السنوات الأخيرة نقاشاً عميقاً و تبايناً كبيراً بين الاقتصاديين و المواطنين..لكن حكومة عطري و كالعادة حسمت كل شيء لصالح سياساتها و ما قررته مسبقاً..

في هذه المادة نستعرض معاً أبرز الملفات التي تشكل أساساً مفترضاً لمحاسبة حكومة عطري، ملفات لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين و مستواهم المعيشي...

نبدأ بملف الفقر و مكافحته، إذ تؤكد الإحصائيات الرسمية للعام 2004 أن نسبة من يعيشون تحت الفقر في سورية تبلغ نحو 11.4% أي أن هناك نحو 2 مليون سوري لم يكونوا قادرين الحصول على حاجاتهم الغذائية و غير الغذائية، ليرتفع الفقر الإجمالي إلى نحو 30% ليشمل بذلك نحو 5.3 ملايين مواطن سورية.

لكن ومع بداية الخطة الخمسية العاشرة وعدت الحكومة بتخفيض نسبة من هم دون خطر الفقر و بدأت الحكومة تشيع بدءاً من العام 2007 أنباءً عن انخفاض تلك النسبة، و رغبة بتوثيق كلامها رسمياً تم تنظيم مسح الفقر الثاني بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة و الذي انتهى الفريق المختص من إعداد التقرير العلمي و النتائج النهائية في العام 2009 إلا أن الحكومة لم تنشره، لأن النتائج لم تكن تعجبها...

فقد أكدت النتائج الرئيسية الخاصة بانتشار الفقر في عام 2007 و تطوره منذ العام 2004 تشير إلى أن الفقر الإجمالي(نسبة السكان تحت خط الفقر الأعلى) واسع الانتشار نسبياً في سوريا، فقد كان يصيب 33.6% من السكان وهذا يعني أن 6.7 ملايين من السوريين يعتبرون فقراء، ومن هذه المجموعة الكبيرة ثمة نحو 2.4 مليوناً(12.3 % من السكان) يصنفون على أنهم يعيشون في فقر شديد، ومن هنا فإن إجمالي نفقات 4.3 ملايين من السوريين (21.3% من السكان) يقع بين عتبة الفقر الشديد(أي تحت خط الفقر الأدنى) و بين عتبة الفقر الإجمالي ( أي خط الفقر الأعلى).

و يوضح التقرير أن للفقر أبعاداً جغرافية واضحة في سوريا، فالمنطقة الشمالية الشرقية هي الأكثر فقراً في البلد، إذ يصل معدل الفقر الشديد فيها إلى 15,4%، أما المنطقة الساحلية فهي الأقل فقراً إذ أن 7,68% فقط من سكانها من الفقراء فقراً شديداً، وعند أخذ معدل الفقر الإجمالي بعين الاعتبار يجد التقرير أن انتشار الفقر متساوٍ بين المنطقة الشمالية الشرقية والمنطقة الجنوبية. لكن مستويات الإنفاق عند فقراء الحضر في المنطقة الجنوبية كانت، من حيث المتوسط، أدنى بكثير من خط الفقر. وبالتالي فإن (فجوة الفقر) في تلك المنطقة تزيد بنسبة 16% عن فجوة الفقر في سورية عامة

ويتركز الفقر في سورية في المناطق الريفية إذ أن فقراء الريف شكلوا 56% من مجموعة (الفقر الشديد) و 50% من المجموع العام للفقراء من السكان، ومن هنا يكون قد سجل معدلات فقر أعلى من الحضر في جميع المناطق، وتبين النتائج أيضاً أن أكبر تركيز للفقراء يقع في المنطقة الشمالية الشرقية،وخاصة ريف تلك المنطقة الذي يمثل الفقراء فيها 37% من الفقراء فقراً شديداً و 28,8% من إجمالي الفقراء، وهذا يفوق كثيراً نسبة سكان هذه المنطقة من عدد سكان البلاد فهي لا تتجاوز 23,3%.

ومن الواضح –كما يضيف التقرير-أن الفقر مازال أكثر تركزاً في المنطقة الشمالية الشرقية، وفي ريفها خاصة، حيث نجد أن 19,7% من السكان يعيشون في حالة فقر شديد (أي تحت خط الفقر الأدنى). لكن حضر المنطقة الجنوبية عرفت زيادةً كبيرةً في الفقر الشديد إذ تضاعف في عام 2007 عما كان عليه في عام 2004، ومن هنا، فإن هذه المنطقة التي كان فيها أدنى مستويات للفقر في عام 2004، صارت ثاني أفقر منطقة في البلاد عام 2007. وفي الواقع يمكن أن نستخلص أن الزيادة الإجمالية في الفقر الشديد بين 2004 و 2007 ناتجة، بشكل أساسي، عن الزيادة الحادة في الفقر في حضر المنطقة الجنوبية .

هذه النتائج يمكن استنتاج تأثيراتها بثلاث نقاط سريعة:

-أنه في حكومة عطري فإن عدد من هم تحت خط الفقر ارتفع بنحو 400 ألف فقير بين العامين 2004 و العام 2007، كما ارتفع عدد الفقراء إجمالياً بنحو 1.4 مليون فقير خلال الفترة المذكورة سابقاً.

-فشل كل السياسات الاقتصادية الإقليمية التي أعلنت الحكومة تطبيقها من مشروع تنمية المنطقة الشرقية إلى مشاريع تشجيع الاستثمار و زيادة رقعة التوزع الجغرافي لها.

-دخول مناطق جديدة في دائرة الفقير الشديد أهمها المنطقة الجنوبية، بما يعنيه ذلك و يحمل من تأثيرات اجتماعية و معيشية على سكانها، وهو استنتاج يشمل كل التأثيرات السلبية للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السابقة.

بطالة عالية

الملف الثاني الأكثر شعبية يتعلق بالبطالة و توفير فرص العمل، إذ وفق وعود الخطة الخمسية العاشرة فإن الحكومة كانت تخطط لتخفيض نسبة البطالة لتصبح نحو 7%، من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية و الأجنبية بما يعنيه ذلك من توفير آلاف فرص العمل، ومن خلال فرص العمل التي تعد الحكومة بتوفيرها من الموازنة العامة للدولة ، إلا أن الحكومة فشلت بشكل كبير في هذا الملف، إذ تؤكد مسح المكتب المركزي للإحصاء لقوة العمل خلال النصف الأول من العام 2010 أن معدل البطالة بلغ نحو 8.3% فيما قدّره تقرير خبراء صندوق النقد الدولي حول مشاورات المادة الرابعة بـ 11%، وهذا فشل نجم عن تدني الاستثمارات المنفذة في سورية و عدم قدرة الحكومة توفير أكثر من 39 ألف فرصة من بين 300 ألف فرصة عمل تقريباً كانت موازنات الدولة تعد بتوفيرها في القطاع العام خلال خمس سنوات، هذا في الوقت الذي كانت فيه التقديرات تشير إلى أن عدد الشباب الداخلين لسوق العمل سنوياً يتراوح ما بين 250-300 ألف شاب، إضافة إلى العاملين الذين فقدوا فرص عملهم نتيجة الظروف الاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال الفترة السابقة.

أما الملف الثالث الذي نمر عليه سريعاً فيتعلق بمكافحة الفساد،وهو الملف الذي تحول شعاراً (فارغاً) لكل مسؤول في الحكومة السابقة، فإذا كان رئيس الحكومة السابق أصدر ما يقرب من 750 قرار صرف من الخدمة لمئات العاملين في الدولة لأسباب تمس النزاهة(وهي قرارات مشكوك بجديتها كونها كانت تتناول مستويات وظيفية دنيا)، فإن السنوات السابقة خلت من إجراءات فاعلة لمكافحة الفساد،سواء عبر إجراءات الوقاية المسبقة التي تحول دون وقوعه، أو من خلال الكشف عن قضايا كبيرة و فاسدين كبار باستثناء قضية حسن مخلوف آمر الضابطة الجمركية التي تم الكشف عنها بمعلومات محدودة جداً في العام 2009، و هكذا كان الفساد يتصاعد بشكل واسع و على مختلف المستويات...

و في ظل غياب أية مؤشرات أو دراسات إحصائية عن حجم الفساد في سورية، تؤكد مؤسسة الشفافية الدولية أن سورية ما تزال تحتفظ بمرتبة متأخرة في ترتيب انتشار الفساد..............

سبب الأزمة

أما الملف الرابع فيتعلق بالإصلاح الإداري و المؤسساتي، و قد اخترناه نظراً للتأثيرات السلبية الكبيرة التي تركها تجاهل هذا الملف و البطء و التخبط في التعاطي معه، فالأحداث التي شهدتها سورية خلال الفترة الماضية نجمت بفعل الفجوة الكبيرة التي اكتشفت الحكومة (متأخرة طبعاً) وجودها بين المواطن و مؤسسات الدولة، و يشمل الإصلاح الإداري و المؤسساتي عدة جوانب أساسية منها ما يلي:

-إعادة هيكلة المؤسسات و الجهات العامة المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالعلاقة مع المواطن، بحيث يتم القضاء على الروتين و البيروقراطية، إضافة إلى تخفيف و تبسيط الإجراءات الإدارية بما يخدم المواطن و الدولة معاً، و هذا الأمر للأسف لم تحقق فيه الحكومة السابقة أية نتائج ملموسة رغم الإعلان عن مجموعة مشاريع، لكنها بقيت في دائرة الدراسات و الاقتراحات.

-توصيف مهام الوظائف و مواصفات و سمات كل من يشغلها، تحقيقاً للشعار القديم الجديد(وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، إلا أن هذا البند أيضاً لم يتحقق، حيث استمر تعيين المسؤولين دون أية معايير واضحة و تبعاً لمحسوبيات و علاقات شخصية، فكانت النتائج فجوة كبيرة بين المواطن و المجتمع و بين الدولة.

-إصلاح و تحديث الشركات و المؤسسات العامة الخاسرة، التي أصبحت عبئاً على الخزينة العامة بعدما كانت داعمةً لها، و رغم إعلان الحكومة السابقة سعيها لإصلاح القطاع العام و توجهها إلى وضع قانون خاص لذلك، إلا أنها عادت بعد نحو عامين من النقاش و الحوار إلى إيقاف المشروع و اعتماد سياسة اتخاذ القرارات الضرورة، الأمر الذي حد بشكل كبير من طموحات إصلاح القطاع العام و تحديداً الصناعي منه.

* ملفات... وملفات

ثمة ملفات كثيرة يمكن أن تحاسب عليها الحكومة السابقة، فهناك التراجع الكبير في نمو القطاع الزراعي، فشل مواجهة تأثيرات الجفاف، تدني حجم الاستثمارات المنفذة خلال السنوات الأخيرة، عدم القدرة على تحليل تأثيرات الأزمات و طرق التعامل معها، المشاكل الكبيرة التي تسبب بها مشروع رفع دعم المحروقات....الخ.

زياد غصن

مجلة المال