تمخضت الحكومة فولدت فأراً

طباعة

عبد الحفيظ الحافظ

شكل قانون الأحوال الشخصية في سورية منذ سنين عائقاً للحاق بركب العصر، بل تخلف هذا القانون عما بلغه المجتمع من التطور ، والجدير به أن يكون متقدماً بضعة خطوات ، ففي سورية مئات الآلاف من المواطنين  الذين نالوا الشهادة الجامعية والعليا ، وآلاف منهم حصلوا على اختصاص علمي من أهم الجامعات في العالم .

في عصر الثورة المعلوماتية وتحول العالم إلى قرية كونية سربت الحكومة السورية مشروع قانون للأحوال الشخصية ، صاغته لجنة عملت سراَ طيلة ثلاث سنوات بتكليف منها .

لقد تمخضت الحكومة فولدت فأراً، فكفانا عدد من المثقفين والمحامين والكتاب ، وفي مقدمتهم أيمن عبد النور / نشرة كلنا شركاء في الوطن ، و بسام القاضي / مرصد نساء سوريا ، والمحامي ميشيل الشماس..مشاق النقد ، وأظهروا مدى تخلف المشروع عن قانون الأحوال الشخصية المعمول به على علاته ، وتناقضه مع مواد الدستور السوري ، وهو أبو القوانين ، ومع المعاهدات الدولية التي وقَّعتها الحكومات السورية وهي ملزمة لها ، تتعلق بحقوق الإنسان والمرأة والطفل ، وانتقدوا السرية واحتكار الجهة ذات اللون الواحد التي صاغته ، مع أن الحكومة استدركت فعلتها فسربت مشروعاً معدلاً لبعض المواد المنتقدة يتضمن 639 مادة .

إن المشروع بصيغته الحالية متخلف ومعيق ، و لا يعبر عن درجة التطور التي بلغتها سورية على سلم التقدم والمدنية ، لاسيما على صعيد المرأة التي خرجت إلى المجتمع طلباً للعلم والعمل وانخرطت في الشأن العام ، وشاركت الرجل في السلطة د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية ، وفي المعارضة  د. فداء الحوراني        رئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق المحتجزة في سجن النساء بدوما كسجينة رأي .

لاشك أن سورية بحاجة إلى قانون أحوال شخصية مدني يتماشى مع روح العصر ، ومع المتغيرات الاجتماعية والثقافية ، والشعب بالتأكيد بحاجة إلى قانون أحوال شخصية مدني إلى جانب القانون الحالي بعد تحديثه وجعله مدنياً ، ويُترك للزوجين حق الاختيار قبل أو بعد عقد الزواج المدني عقد زواجهما عند رجل الدين الذي يختارانه .

بعد هذا التقديم نذكر أن الحكومة السورية ملزمة ب :

-        المادة  3 /1 دين رئيس الجمهورية الإسلام .

-        المادة  3/2 الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع .

-        المادة  8  حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة .

-        المادة  84 يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث ، ويعرض الترشيح على المواطنين لاستفتائهم فيه .

بموجب هذه المواد الدستورية والقوانين التي صدرت بظل الحالة الاستثنائية وهي حالة الطوارئ ، شكلت الحكومة لجنةً ، وصاغت سراً مشروع قانون الأحوال الشخصية ، اعتبرت به المسيحي ذمي والمرأة موطوأة وسن الزواج 13 للأنثى و15 للذكر إذا قدر القاضي أنهما يصلحان للزواج ، و إذا زوجت المرأة الكبيرة نفسها  من غير موافقة الولي ، فإن كان  الزوج كفؤاً لزم العقد  ، وإلا للولي طلب فسخ النكاح ، والعبرة في الكفاءة الصلاح في الدين  / المادة 54 ، ويثبت النسب بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ، ونظر إلى المواطنين على أنهم طوائف ومذاهب ..

لنطرح عدداً من الأسئلة انطلاقاً من بنية الدولة السورية :

-        هل الحكومة السورية مع فائق الاحترام للسادة الوزراء صاحبة قرار ؟.

-        هل مجلس الشعب مع فائق الاحترام لأعضائه ، وبغض النظر عن الآلية التي يأتي بها أعضاؤه هو صاحب قرار ؟.

-        هل المحكمة الدستورية صاحبة قرار وهي لا تستطيع إلغاء انتخاب نائب ثبت لديها تزوير انتخابه ؟.

والمضحك أن جريدة فصيل شيوعي من أحزاب الجبهة ناشدت بلوعة الكتاب والمثقفين والناشطين أن يرفعوا صوتهم ضد مشروع قانون الأحوال الشخصية المسرب إلى الإعلام ..

أيها السادة :

إن المادة الدستورية التي تنص على دين رئيس الدولة ، لم تساوِ بين المواطنين ، التي ضمنها الدستور ذاته ، وحجبت هذا الحق عمن لا يدين بالإسلام من المواطنين ونسبتهم ضمن النسيج المجتمع السوري 11% .

إن المادة الدستورية التي تنص على أن القيادة القطرية لحزب البعث هي التي تقترح لمنصب رئاسة الجمهورية ، لم تساوِ بين المواطنين ، التي ضمنها الدستور ذاته ، وحجبت هذا الحق عن عشرين مليون مواطن سوري غير بعثي .

إن المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث ، أو الحادي عشر القادم له كل الحق أن يتبنى البرنامج السياسي ، الذي يختاره ، لكن ليس له الحق ، وليس لأي حزب آخر في السلطة أوفي المعارضة ، أن يلزم عشرين مليون مواطن سوري بخياراته .

وحول المادة الثامنة من الدستور التي تنصُّ أن حزب البعث هو الحزب القائد للمجتمع والدولة ، وبغض النظر عمَنْ يقود الدولة والمجتمع والحزب ، نقول : إننا لا نعترض عليها لأنها تخص حزب البعث بمهمة القيادة ، بل من حيث المبدأ ، فصندوق الانتخاب هو الحكم والفصل في هذا العصر، وأعتقد أن سورية لن تشهد تقدماً ، ولا تغييراً وطنياً ديمقراطياً سلمياً وعلنياً ، ولا استرجاعاً للجولان ، بدون الكتلة الشعبية الأكبر الموجودة في حزب البعث ، لكن شرط أن تعي أنها جزء من المواطنين ، وأن البعث أحد القوى السياسية في الوطن ، فالقضايا الكبرى قضايا وطنية بحاجة لحضور الشعب وقواه .

لكن سنة الحياة هي الحراك الاجتماعي والاقتصادي بل والسياسي ، والمجتمع في سورية أسوة بمجتمعات العالم عرضة لهذا القانون ، وقد تغيرت خيارات المواطنين الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وبرزت خارطة اجتماعية جديدة ، لذا لا تستطيع مادة في الدستور أن تحول المجتمع إلى صخرة صماء وإلى الأبد ، وتصادر الحياة والحاضر والمستقبل ، فنهر التاريخ يتدفق ، ويتقدم ، وهو لا يرحم من لا يتعلم من تجاربه .

نحن نعترض على مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية ، لمخالفته الدستور والمعاهدات التي وقعتها الحكومات السورية ، ولكونه غير مدني  لكننا نقول :

إن استمرار إعلان حالة الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية منذ صباح الثامن من آذار عام 1963 بالبلاغ رقم /2/ ، ووجود المحاكم الاستثنائية ، والحصص المسبقة لحزب البعث ولأحزاب الجبهة في الانتخابات العامة قبل الدخول في العملية الانتخابية ، واعتماد  ألف و ب ، ونسبة العمال والفلاحين في الانتخابات هي إلغاء لها ووأد لفكرة المساواة بين المواطنين ، والقوانين المخالفة للدستور وللمعاهدات التي وقعتها الحكومات السورية التي صدرت.. والاعتقال على الرأي ، والتسريح التعسفي ، وحل النقابات ومجالس إدارة الجمعيات ، وتعيين بديلاً عنها من قبل الحكومة هي إلغاء للهيئات العامة لهذه التجمعات المدنية ، كذلك تجاهل قضية المواطنين السوريين الأكراد المجردين من الجنسية ، وتدخل الأجهزة في كل مناحي الحياة إلغاء للمؤسسات الرسمية ..

لنذهب أيها السادة إلى الجذر ، إلى العمق ، فربما الطاسة ضائعة ، لكن المصلحة الوطنية تقتضي البحث عنها،  وتحتم حضور الشعب لا تغييبه ، والشعب يحضر عبر ممثليه الحقيقيين بانتخابات حرة ونزيهة ، وعبر مَنْ يعنيهم الحضور ، وبموضوع مشروع قانون الأحوال الشخصية لا بد من حضور رجال القانون وممثلي المرأة والمثقفين والسياسيين والعلمانيين و رجال الدين المتنورين .