ظاهرة تحول مناطق السكن العشوائي إلى أبنية عشوائية بحلب من ضرورة حياتية إلى كارثة اجتماعية

كتبها Administrator الأحد, 22 يوليو 2012 22:30

طباعة

ظاهرة تحول مناطق السكن العشوائي إلى أبنية عشوائية بحلب من ضرورة حياتية إلى كارثة اجتماعية

دلسوز كريلا – زيلان عفرين – قيرين ولات

خاص 18 يوليو 2012



حلب- عرفت المدن والمحافظات السورية في السنوات الأخيرة تفشي ظاهرةٍ تصنف وفق القوانين الهندسية العالمية ضمن إطار ما يسمى بظاهرة البناء المخالف/العشوائي كاستجابةٍ للحاجة المتزايدة للسكن بفعل عوامل الهجرة الداخلية و تفاقم حجم المضاربة العقارية بدون رخص حيث انتشرت في ظل هذه العوامل و غيرها الأحياء الهامشية والمباني العشوائية في ضواحي المدن وعلى ضفافها كما ينتشر العفن, هذه الظاهرة باتت تعاني منها معظم الدول في مختلف مناطق العالم(مناطق العشوائيات في الدول النامية ومدن الصفيح بالنسبة لدول أخرى) والتي تعيق تنمية المجتمعات وتعرقل تنفيذ المخططات العمرانية في الدول النامية على وجه الخصوص وتتبدّى على أوسع نطاق عبر غياب الرقابة الحكومية عن المد السرطاني لأنشطة مافيا البناء العشوائي التي يديرها متعهدو البناء(سماسرة البناء) المستوحشون على الربح ومهندسو الجشع التاركون الناكرون لأبسط أخلاقيات هذه المهنة في غياب إجراءات فعلية للمحاسبة والمعالجة من قبل الجهات المعنية بالأمر أو ربما حتى من خلال التواطؤ الحكومي (أعوان السلطة) وبعض الجهات النافذة مع أصحاب المصالح و النفوس الضعيفة بهدف تعظيم الأرباح عبر استغلال الفقير وتسخير حاجته الملحة لتأمين مسكن يلم شمله وشمل عائلته ويكون له مأوىً يلجأ إليه كلما اشتد به الدهر وعصفت به الظروف, بالإضافة إلى أن البعض يستفيدون من هذه المنازل التي ستمنح لهم باعتبارها مصدراً مالياً يمكن أن يخفف أو يسد نوعا ًما الحاجات التي تتعاظم يوماً بعد يوم وذلك من خلال تأجير المنزل للاستفادة من أجرته. وبهذا يمسي الفقير كمن وقع بين فكي كماشة أو كمن حصر بين سندان الفقر ومطرقة الاستغلال من قبل ممتهني الجشع. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه الظاهرة تسري في مدننا سريان السرطان في جسد المريض لدرجةٍ لم يتبقى فيها حيٌّ أو حتى شارع إلا وبه بناءٌ يهدّم دون أدنى مراعاة لسلامة المواطنين ممن يقطنون بجواره أو الأخذ بالحسبان بأن معظم هذه المباني تفتقر إلى أقل إجراءات السلامة و الأمان. نحن في تقريرنا هذا نسلط الضوء على هذه الظاهرة في المناطق ذات الغالبية الكردية بمدينة حلب كالشيخ مقصود بأحيائه الثلاثة (الغربي و الشرقي و معروف) على سبيل المثال لا الحصر حيث يقدّر بأن هناك 22 منطقة مخالفات مختلفة النوع والحجم في شتى أحياء مدينة حلب وتنبغي الإشارة إلى تزايد النمو السكاني للمدينة خلال العقدين المنصرمين من خلال هجرة السكان من القرى الصغيرة والمناطق الريفية المجاورة الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة الحاجة الماسة للسكن الرخيص وعلى ذلك بإمكاننا أن نعتبر أنّ الجزء الأكبر من التزايد حصل من خلال الهجرة للمجموعات الأقل دخلاً وهم الأغلبية التي تسكن مناطق السكن العشوائي ضمن المدينة حيث يقدر نمو مناطق السكن العشوائي بمعدل 4% سنوياً أي ما يعادل 48000نسمة أو 8000 عائلة في السنة والذي يتطلب حوالي 150 مسكناً جديداً أسبوعياً ضمن هذه المناطق.

ولدى تمحيصنا في الأسباب و الدوافع الكامنة وراء التفشي الكارثي لهذه الظاهرة تتبدى لنا جملة من العوامل التي يمكن إيرادها كالتالي:

-الحاجة: فالمواطن الذي لا حول له و لا قوة و الذي لا يملك بيده إلا ما يسد به رمقه أو يوفر به قوت يومه يجد نفسه مضطراً إلى اللجوء لأسوء الحلول وهو محاولة تأمين مسكن يلم به شمل عائلته المشتت وبأقل كلفة تتناسب مع دخله المحدود والذي قد لا يكون موجوداً أصلاً في بعض الحالات حيث تنبغي الإشارة إلى أن الكثير من الناس من الفئات الأقل دخلاً والعاطلين عن العمل لا يملكون حتى شبراً من الأرض في أسوء مناطق السكن العشوائي وأن أغلب المواطنين لا يملكون منازل فيها بل يسكنون بالإيجار و في ظروف إنسانية مجحفة للغاية و -عدم وعي المواطن بمغبة الخطأ الذي يرتكبه حين يقرر البناء خارج المخطط التنظيمي لمدينته أو بلدته لأنه بهذه الطريقة يقضي على دخله المحدود أصلاً في بناء مسكنٍ لا تتوفر فيه أدنى متطلبات العيش السليم وكذلك يفتقر إلى الخدمات الأساسية بدءا من متطلبات البنية التحتية كالصرف الصحي والتغذية بالمياه الصالحة للشرب والإمداد بالكهرباء اللازمة وصولاً إلى بقية الخدمات الأخرى والتي لا تقل أهمية عن سواها من الخدمات كالقرب من طرق المواصلات الرئيسية والمرافق التعليمية وكذلك مراكز الخدمات الصحية والتي يستجرها من الأحياء الأقرب إلى منطقته.

-العوائق القانونية التي تقيمها الحكومة أمام إعطاء رخص للاستثمار العقاري في مجال البناء و السكن

إنّ العوائق القانونية للاستثمار العقاري في مجال السكن بتسهيل إعداد مخططات أراضى استثنائية معدة للبناء وفق التشريعات النافذة عن طريق المستثمرين في مجال الإسكان سواء أكانوا أفرادا أو مؤسسات هو من الأسباب الكبرى لظهور وتفشى ظاهرة البناء العشوائي في سوريا والتي تفتح المجال أمام جشع وبيروقراطية بعض المسؤولين, و كذلك عدم إدراك الدولة ممثلة بالحكومة لحجم المشكلة الأمر الذي انعكس في عدم سنها قوانين فعالة في هذا الشأن حتى أن القوانين التي كان معمولاً بها أثبتت عدم نجاعتها في كثير من الأحيان.

-عدم وجود الدراسات الإستراتيجية لدى الحكومة السورية لاستيعاب التفجر السكاني الهائل في المدن بتشييد مساكن جديدة لهم ضمن خطط علمية مدروسة تساهم في التخفيف من حدة المشكلة وتقليصها. وإن وجدت بعض الخطط فهي تبقى حبيسة الأوراق التي لا يُعرف متى سترى النور، أما عن الجمعيات السكنية المدنية النادرة الوجود والتي هي في الحقيقة تحولت إلى جمعيات لسرقة الشباب وليس لمساعدته فكم من شاب دفع شقاء عمره في واحدة من تلك الجمعيات أملاً في الحصول على منزل ولو غرفة واحدة ليجد نفسه بعدها منصوب عليه كما في حالة الشاب (رياض يوسف).

-المضاربة العقارية بدون رخص و رغبة البعض من أصحاب الدخل غير المحدود في تملك أكثر من منزل.

-غياب الرقابة و المحاسبة عن التجاوزات الحاصلة في هذا المجال أدت إلى استفحال هذه الآفة بالإضافة إلى أنّ بعض الأماكن في مناطق العشوائيات تحولت إلى فضاءات لممارسة تجاوزات لاأخلاقية (استفحال الدعارة), ناهيك عن قلة الوعي التي يعانيها سكان هذه المناطق وارتفاع معدل الجريمة فيها إلى غير ذلك من العوامل التي تختلف وتتعدد من منطقة لأخرى ومن محافظة لأخرى.

-الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد الأمر الذي أدى إلى تزاحم الأثرياء والفقراء على حد سواء إلى تشييد المباني كيفما أرادوا وأينما أرادوا دون أي اعتبار لتصميم البناء ولا للوضع المستقبلي للمنطقة لدرجة تحولت فيها هذه المناطق إلى كتل من الأبنية المتداخلة والتي لا تخضع تصاميمها وطرق بناءها للقوانين الناظمة للإنشاء والتعمير. فحيثما وليت وجهك يقع بصرك على تجاوزات في البناء والتعمير واحتلال للأماكن العامة.

إنّ عدم الأخذ في الاعتبار الأضرار الجانبية التي يخلفها الهدم العشوائي لبناء يقع ضمن سلسلة مباني تتواجد في نفس الحي وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات البناء العشوائي التي لا تقل خطورة عن الهدم يتسبب بمجموعة مشاكل يمكن إيجازها بالتالي:

المشاكل الهندسية الإنشائية (فمظاهر الغش و المخالفة تتبدى للعيان منذ مراحل البناء الأولى من خلال ظهور الشقوق والتصدعات فيها لأنها أصلاً غير مستندة إلى دراسات هندسية تقنية و لا لتصاميم ميدانية)

المشاكل المرورية(نخص بالذكر العرقلة المرورية الحاصلة نتيجة وضع مواد ومستلزمات البناء وسط الشوارع إضافة إلى إقامة ورش العمل الميدانية في تلك الأحياء وما يترتب على ذلك من توقف لعمل وسائط النقل العامة والخاصة الأمر الذي يرتب على سكان المنطقة تكاليف إضافية للوصول إلى مكان العمل و الدراسة).

المشاكل الصحية و البيئية (التلوث الجوي الناتج عن إشباع الجو بالأغبرة والأتربة الناتجة عن عمليات الهدم والتي تحتوي على أكاسيد النتروجين ومشتقات الكربون كأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وهي بمجملها ضارة بصحة الإنسان عموماً وجهازه التنفسي بشكل خاص لما تتسبب به من أمراض مختلفة مثل الربو والتهاب القصبات المزمن وصولاً إلى بعض حالات الاختناق إضافة إلى ما يمكن أن تتسبب به هذه الآفة من تفاقم في مشكلة الاحتباس الحراري وتأثير الدفيئة عندما يكون انتشار الأبنية العشوائية على حساب الأراضي الزراعية وانحسار المناطق الخضراء ضمن القرى القريبة من المدن)

المشاكل الجمالية (بالأخص من الناحية التنظيمية فيما يتعلق بعدم التناسق الموجود بين الأبنية التي تشيد في هذه المناطق(بنايات مشوهة في العلو و المساحة) إضافة إلى أن المخلفات المتبقية عن ورش البناء أدت إلى تحول أجزاء منها إلى مكبات للنفايات والتي تنتشر باطراد على حساب مناطق لعب الأطفال نتيجة انعدام الأماكن المخصصة للعب فيها كالحدائق العامة).

المشاكل الخدمية (على الرغم من الوضع الخدمي المتردي لمناطق العشوائيات يأتي استفحال هذه الظاهرة ليزيد الطين بلة فما كان غير مخدّم بالأمس بات مع الانتشار الكارثي لهذه الآفة مصيبة حقيقية و معاناة يومية بالنسبة لسكان وقاطني هذه المناطق الذين رووا لنا معاناتهم التي تعددت جوانبها فمن مشكلة شبكة مياه تعاني من التنقيط وعشوائية توزيع الخطوط إلى أخرى تم جرف أجزاء منها أثناء عمل الجرافات المستخدمة في عمليات الهدم الأمر الذي يحرم العديد من المنازل من هذه الخدمة الحيوية الضرورية إضافة إلى تزايد عدد مستنقعات الصرف الصحي التي تتحول إلى مراتع للحشرات الضارة الناقلة للعديد من الأوبئة والأمراض المعدية والتي يتضاعف انتشارها مع حلول فصل الصيف دون أن نهمل التخريب الكبير الحاصل للطرقات المعبّدة التي تمر منها هذه الجرافات).

- تغيير ديموغرافية المنطقة بعشوائية غير مدروسة ومخطط لها

إنّ عدم دراسة التغيرات الديموغرافية الحاصلة نتيجة الهجرات الداخلية من القرى باتجاه المدن (لأسباب تندرج في جلها ضمن الخانة الاقتصادية) بشكل علمي وواقعي من قبل الجهات المختصة بهذا الشأن أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة يوماً بعد يوم فالوضع المادي المتردي لسكان تلك القرى بالدرجة الأولى هو من أهم أسباب الهجرة باتجاه المدن حيث تكفي الإشارة فقط إلى أنّ الظروف المعيشية القاسية التي يعانيها القرويون أكثر قسوة من العيش ضمن عشوائيات غير مخدّمة فمدارس أطفالهم أكثر بعداً و مناخهم أكثر قسوة و مساكنهم أكثر سوءاً من المباني التي قاموا ببنائها خارج المخططات التنظيمية للمدن التي يهاجرون إليها.

شبح الانهيار يخيم على آلاف المباني السكنية في مناطق العشوائيات بسبب اهتراء أسسها و دعاماتها و ضعف البنية التحتية أساساً في تلك المناطق والذي يشكل أهم الأسباب الكامنة وراء تكرار حالات الانهيار التي تعرضت لها العديد من المباني في السنوات الأخيرة ما يمثل إشعاراً بقرب حدوث كارثة اجتماعية محتملة للأبنية التي تشيد حالياً و التي تتزايد احتمالية وصولها إلى حافة التهاوي نتيجة بنائها على نفس الأسس القديمة المتداعية,كل هذا ساهم و بشكل مفرط في بروز أحياء موغلة في الهشاشة و الضعف العمراني والكثير منها غير مستوفي لشروط البناء أصلاً و الشروط الصحية و البيئية و الجمالية هذا دون أن ننسى أن كل هذه الجوانب تزيد من عبء النفقات النقدية الإضافية على المواطنين المساكين. علاوة على ذلك يترامى إلى نظرنا مشهد الأبنية التي تشيّد الآن دون مراعاة أدنى درجات السلامة للعمال و المشرفين على عمليات التعمير و التشييد طبعاً و دون الأخذ بعين الاعتبار للتخطيط المستقبلي لما ستؤول إليه مدننا في الغد القريب حيث تحال الحياة ضمنها جحيماً لا يطاق كلما استمر هذا المد العمراني الوحشي دون إهمال أن ذلك يتزامن مع الوضع الأمني المتردي و الذي تشهده البلاد منذ ما يزيد عن السنة و انعدام المحاسبة من جهة الحكومة لأصحاب العقارات قيد الإنشاء أو حتى غض النظر الذي حصل و مازال فيما يتعلق بهذه الظاهرة حيث وصلت هذه الظاهرة درجةً أصبحت فيها معظم المدن و خصوصاً مدينة حلب كالقنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أية لحظة, فقد التهمت هذه الآفة الأخضر و اليابس من الأراضي و أكلت هوامش المدن كما النار في الهشيم.

ANF NEWS AGENCY