السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل : إبرة " ديكلون " لا تُعالج مرض السرطان

آخر تحديث الاثنين, 14 مارس 2011 12:36 كتبها Administrator الاثنين, 14 مارس 2011 12:32

طباعة

السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل : إبرة " ديكلون " لا تُعالج مرض السرطان

- محي الدين عيسو – دمشق

نشر موقع كلنا شركاء الإلكتروني وثيقة صدرت من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وموقعة من الوزيرة السيدة ديالا الحج عارف بتاريخ 7/3/2011 وتحمل الرقم / 9444 / تطالب بأن يعامل أجانب الحسكة معاملة السوريين في كل ما يتعلق بأمور عملهم، دون أن توضح ماهية عملهم، والطريقة التي سوف يتم التعامل معهم في حال تقدم أحد خريجي الجامعات السورية على أي دائرة حكومية لتقديم طلبه للتوظيف في تلك الدائرة على سبيل المثال لا الحصر، لذا أتوجه أليك بهذه الرسالة التي أوضح فيها معاناة تلك الشريحة من أبناء الوطن مع علمي ويقيني بأنك وكافة المسئولين السوريين على دراية تامة بحيثيات هذه القضية، وأعبر لسيادتك عن رفضي لمثل هذه المعالجات التي لن يستفاد منها أحد وهناك مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة .

السيدة الوزيرة

بموجب إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة فقط دون غيرها من المحافظات السورية والذي أجري بتاريخ 5/ 10 / 1962 بموجب المرسوم التشريعي رقم / 93 / تاريخ 13 / 8 / 1962 تم تجريد حوالي / 120 / مئة وعشرون ألف مواطن كردي من جنسيتهم السورية ووصل تعدادهم اليوم إلى أكثر من ربع مليون مواطن، أو / 142 / ألف حسب المصادر الحكومية التي قدمت لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان قسم الشرق الأوسط بتاريخ 11 أيلول 1996 و/ 75 / ألف مكتوم ( رقن قيدهم من السجلات )، وتعتبر هذه من أكثر الحالات انتهاكا لحقوق الإنسان وللدستور السوري والمواثيق والعهود والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها سوريا ، وبعد مرور قرابة النصف قرن على ذلك الإحصاء كرست مشاكل اقتصادية واجتماعية وقانونية وسياسية جمة، ويمكن تصنيف المجردين من الجنسية في مجموعتين رئيسيتين :

أ – الأجانب :وهم الذين جردوا من الجنسية السورية وسجلوا في القيود الرسمية على أنهم أجانب محافظة الحسكة وقد ازدادوا نتيجة التزاوج بين أب مجرد من الجنسية وأم مواطنة سورية أو أب مجرد من الجنسية وأم أيضا مجردة من جنسيتها فتكون الحصيلة في الحالتين أولاد مجردين من الجنسية.

ب – المكتومين : ويبلغ تعدادهم حوالي ( 75) ألف مواطن وهم أكراد جردوا من الجنسية ولم يتم قيدهم في السجلات الرسمية نهائياً وهم لا يملكون أية وثائق رسمية باستثناء شهادة تعريف من المختار وأطلق عليم أسم "مكتومي القيد" وتتغذى هذه المجموعة من حالات التزاوج التي تحدث بشكل طبيعي بين المجموعتين ( أجنبي – مكتوم ) تكون الحصيلة أولاد مكتومين، والأفراد الذين ينتمون إلى كلا المجموعتين يعانون الأمرين في ممارسة حياتهم اليومية، ويبقى حال الكردي الأجنبي أفضل من المكتوم نسبياً حيث لا يسمح للمكتوم بدخول الجامعات والمعاهد بل لا يستطيع الحصول على الشهادة الثانوية أصلا ؟

بعد مرور قرابة النصف قرن على هذه المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها جزء كبير من الأكراد تزداد هذه المعاناة بمرور الزمن، وتزداد معها المشاكل الاجتماعية وتحدث شرخاً في النسيج الوطني السوري، فالكثير من الأكراد الذين جردوا من جنسيتهم السورية كانوا مواطنين سوريين يملكون الأوراق الثبوتية وخدم بعضهم الجيش ومازالوا يحملون دفتر خدمة العلم.

سيدتي الوزيرة

الكردي المجرد من الجنسية ( وكاتب هذه الكلمات واحد من ضحاياه ) ممنوع عليه التوظيف في الدوائر الحكومية حتى لو حصل على أعلى الشهادات من الجامعات السورية، وممنوع عليه تسجيل أملاكه الخاصة باسمه، فيقوم بتسجيل تلك الأملاك على أسماء غيره من أقاربه الذين يتمتعون بالجنسية أو بأسماء معارفه وغالبا ما ينتج عن ذلك مشاكل اجتماعية، وممنوع عليه استكمال الدراسات الجامعية بعد التخرج من الجامعة، وممنوع عليه خدمة العلم، وممنوع عليه السفر خارج القطر، وممنوع عليه النوم في الفنادق السورية، وجملة من الممنوعات التي تسيء إلى سمعة سوريا في المحافل الدولية، وتزيد من الضغوط الدولية عليها.

نعم سيدتي

لا يعرف الكثير من السوريين هذه المعاناة الممتدة على خارطة الوطن بطوله وعرضه، وهذه المأساة الإنسانية التي يتعرض لها جزء هام من النسيج السوري الجميل بقومياته واثنياته المختلفة، ولا يشعر بما يعانيه "مواطن" مثلي يحمل بين طياته آلاف المشاكل، ومحروم من كافة حقوقه التي شرعتها الاتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وحقه أن يكون مواطنا سورياً يحمل الجنسية السورية، وان يكون مواطناً من الدرجة الأولى كسائر السوريين، لا يحمل في جيبه الخلفي بطاقة حمراء أو صفراء مكتوب عليها " خاص بأجانب الحسكة " أو " ممنوع من السفر وخارج القطر " فأياً كانت المبررات والدوافع لاستبقاء هذه الحالة قرابة نصف قرن من الزمن، على حالها دون التطرق لمعالجتها، سيكون آثارها وخيمة على المواطن والوطن معاً، فقضية المجردين من الجنسية من أهم القضايا التي يجب حلها بأسرع وقت ممكن حتى لا تستفحل الأمور أكثر وتزداد معاناة هذه الشريحة أكثر مما هي عليه، فمرض السرطان سيدتي الوزيرة لا يمكن معالجته بإبرة "ديكلون" ولا بعشرات الإبر المهدئة.

سيدتي الكريمة

أسئلة كثيرة تطرح على الضحية المجرد من الجنسية السورية بموجب ذاك الإحصاء المشئوم والذي جرد بموجبه مئات العائلات الكردية من جنسيتها السورية بقرار أقل ما يمكن توصيفه إنه كان جائراً، يواجه الكردي المجرد المتهم دائما بوطنيته من أين جئتم؟ وأين تقيمون؟ وكيف تديرون أموركم المعيشية؟ ولماذا لا يمنحونكم الجنسية؟ ومن يقف عائقا أمام حلها؟ وغيرها من الأسئلة التي لم نجد لمعظمها أجوبة سوى أنها زادت من غربة هذه الفئة وجعلتهم أكثر الناس بعدا عن المواطنة الحقيقية التي ننشدها.

ختام الحديث أقول إن قضية المجردين من الجنسية قضية بسيطة أو ربما تافهة عند الذين لا يشعرون بمرارة هؤلاء الناس الذين فقدوا بين ليلة وضحاها ما يربطهم بتراب هذا الوطن المسقي بدماء يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وغيرهم المئات من أبطال الاستقلال والتحرير، لكنها بالنسبة لنا نحن المحرومين من أبسط حقوقنا الإنسانية قضية كبرى، فمن يقف ضد إعادة الجنسية إلى الأكراد المجردين منها إنما يقف ضد الوطن بأكمله، يقف ضد الوحدة الوطنية والاندماج الوطني، فسوريا يجب أن تبقى حديقة جميلة بورودها وأزهارها المتعددة حتى نعطي للوطن رائحة الحب والجمال والتعايش السلمي، وهذه الحديقة تضم عرباً، وأكراداً، وآشوريين، وأرمن، وتركمان، وغيرها من القوميات المتعايشة التي يجب ان تبقى شريكا لها كامل الحقوق وعليها كامل الواجبات.

محي الدين عيسو – كاتب وناشط حقوقي سوري مجرد من جنسيته السورية.