في الميزان المرسوم رقم ( 1 ) لعام 2011 تعديلات شكلية وحفاظ على الجوهر والمضمون

كتبها Administrator الجمعة, 18 فبراير 2011 10:18

طباعة

في الميزان

المرسوم رقم ( 1 ) لعام 2011

تعديلات شكلية وحفاظ على الجوهر والمضمون


المحامي مصطفى أوسو


أصدر السيد رئيس الجمهورية، بتاريخ 3 / 1 / 2011 المرسوم التشريعي رقم ( 1 )، الذي تضمن ( 21 ) مادة، قضى بموجبه تعديل بعض المواد من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 148 ) لعام 1949 وقد تضمنت التعديلات رفع الحد الأدنى للغرامات التكديرية والجنحية والجنائية...، ورفع الحد الأدنى للعقوبات في القضايا التي توجد فيها أسباب مخففة...، وفرض عقوبة السجن لمدة سنتين على مرتكب إحدى جرائم الخطف والاغتصاب حتى ولو تم عقد زواج صحيح بين المعتدي ( الجاني ) والمعتدى عليها ( المجني عليها )، وتشديد عقوبة من تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو بالعنف أو بالشدة أو بأي عمل آخر مقصود، إلى الأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات كحد أدنى...، وتشديد عقوبة الوالدة التي تقدم، اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً، من خمس سنوات إلى سبع سنوات كحد أدنى...، وتحديد عقوبة القتل قصداً بعامل الإشفاق بناء على الحاجة بالطب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات كحد أدنى وعشر سنوات كحد أعلى...، ورفع الحد الأعلى لعقوبة من حمل إنساناً بأية وسيلة كانت على الانتحار، أو ساعده بطريقة...، إلى اثنتي عشر سنة بعد أن كانت عشر سنوات...، ورفع عقوبة مرتكبي جرائم القتل بداعي ( الشرف ) إلى الحبس من خمس سنوات حتى سبع سنوات، بعد أن كانت عقوبة مرتكبي هذه الجرائم الحبس سنتين استناداً إلى التعديل الذي جرى بموجب المرسوم التشريعي رقم ( 37 ) تاريخ 1 / 7 / 2009 وتشديد عقوبة القتل القصد إلى الأشغال الشاقة عشرين سنة كحد أدنى...، وإضافة عبارة ( أو طلب فدية ) إلى نص الفقرة ( ب ) من المادة ( 556 ) من قانون العقوبات المتعلقة بالجرائم الواقعة على الحرية، ورفع عقوبة مرتكبي جرائم الاحتيال من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، بعد أن كانت من ثلاثة أشهر إلى سنتين...، ورفع عقوبة كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهداً أو إبراء، أو شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن، أو لإجراء...، إلى الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، بعد أن كانت الحبس من شهرين إلى سنتين...، ورفع عقوبة كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لا يمكنه إعادة مثلها وثم يبرئ ذمته رغم الإنذار، إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، بعد أن كانت العقوبة حتى سنة...، ورفع عقوبة كل من أستملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة، إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، بعد أن كانت العقوبة الحبس حتى سنة.
من المعروف أن قانون العقوبات وأغلب القوانين والتشريعات السورية الأخرى، إنما هي نتاج مرحلة زمنية معينة ( الخمسينات والستينات من القرن الماضي)، بظروفها وخصائصها وبنيتها الثقافية والفكرية...، وبالتالي فأن بقاء هذه القوانين على حالها دون تغيير حقيقي بعد مرور كل هذه المدة الزمنية، شكل ويشكل ثغرة حقيقية كبيرة في البنيان والأداء القانوني والتشريعي في البلاد، وفي مسيرة تطوره وتقدمه وازدهاره...، ومن هنا كانت الضرورة تقتضي إجراء تغييرات وتعديلات جوهرية وحقيقية على قانون العقوبات تحديداً، وعلى وجميع القوانين والتشريعات السورية الأخرى، لتكون منسجمة مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...، التي طرأت على المجتمع السوري خلال العقود الماضية من تاريخ صدور هذه القوانين والتشريعات، وأيضاً لتكون منسجمة مع تعهدات البلاد الدولية بموجب توقيعها وتصديقها على المواثيق والاتفاقيات والعهود... الدولية، حيث تعج هذه القوانين والتشريعات جميعاً وقانون العقوبات الذي نحن بصدده الآن، بالعديد من المواد والبنود القانونية المخالفة لما نصت عليه تلك الوثائق الدولية، وبشكل خاص تلك المواد التي تشكل عنفاً وتمييزاً بحق المرأة، مثل: المواد المتعلقة بجرائم القتل وإزهاق أرواح النساء بداعي ( الشرف ).
ولكننا نقول: بأسف شديد ولوعة كبيرة، أن التعديلات التي أدخلها المرسوم التشريعي رقم ( 1 ) لعام 2011 على بعض مواد قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 148 ) لعام 1949 وأن كانت محاولة تشريعية مهمة للتقليل من ارتكاب بعض أنواع الجرائم والحد منها، إلا إنها مع ذلك لم تتجاوز الحدود الشكلية، وهي لم تلامس جوهر ومضمون العديد من مواد هذا القانون واتخاذ مواقف واضحة بشأنها، ونقصد هنا تلك المواد المتعلقة بجرائم قتل النساء بداعي ( الشرف )، خاصة بعد المطالبات المتكررة من قبل أوساط واسعة من المجتمع السوري وقواه الحقوقية والمدنية والسياسية...، بضرورة إلغاء أو إجراء التعديلات الحقيقية على جميع النصوص والمواد القانونية المتعلقة بجرائم قتل النساء بداعي ( الشرف )، ففي الوقت الذي كانت فيه كل المطالبات المذكورة تتوجه وتنادي بضرورة معاملة مرتكبي جرائم القتل هذه، معاملة مرتكبي جرائم القتل العادية، وكذلك ضرورة إلغاء أو تغيير، جميع النصوص والمواد القانونية التي تمنح مرتكبي جرائم قتل النساء العذر المحل أو المخفف، مثل: المواد ( 192 و 240 و 241 و 242 ) من قانون العقوبات، التي لا تقل من حيث آثارها: عنفاً وتمييزاً وخطورة ...، على المرأة وحقها في الأمان الشخصي وفي الحياة...، من المادة ( 548 )، جاء هذا المرسوم على نفس منهج وخطى المرسوم التشريعي رقم ( 37 ) لعام 2009 رافعاً عقوبة مرتكبي جرائم القتل بداعي ( الشرف ) في المادة ( 548 ) إلى الحبس من خمس سنوات حتى سبع سنوات، وهذا بتقديرنا غير كاف أبداً من أجل إرساء قواعد الحق والعدالة وتحقيق المساواة القانونية والاجتماعية...، في المجتمع السوري، ووقف مسلسل العنف وحمام الدماء بحق النساء السوريات.
ومن جهة أخرى، فإن التعديلات المذكورة بموجب المرسوم المذكور، لم تتناول المادتان ( 473 و 474 ) من قانون العقوبات، اللتان تميزان بين الرجل ( الزوج ) الزاني والمرأة ( الزوجة ) الزانية من حيث العقوبة، حيث تكون عقوبة المرأة الزانية ضعف عقوبة الرجل الزاني ( للمرأة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وللرجل الحبس من شهر إلى سنة )، أي أن عقوبة المرأة هنا هي ضعف عقوبة الرجل، في حين أن المساواة القانونية للرجل والمرأة يفرض تساويهما بالعقوبة، كما إن التعديلات لم تتناول أيضاً المادة ( 489 ) المتعلقة بالاغتصاب الزوجي، حيث تبيح هذه المادة من قانون العقوبات الاغتصاب الزوجي بشكل غير مباشر، وكذلك لم تتناول التعديلات المادة ( 476 ) المتعلقة بجريمة السفاح بين الأصول والفروع، حيث تعتبر المادة المذكورة من قانون العقوبات هذه الجريمة المقترنة بالظرف المشدد جنحة بدلاً من أن تكون جناية، كما لم تتناول أيضاً التعديلات المذكورة، المواد القانونية المتعلقة بجريمة وسائل منع الحمل والإجهاض، المواد: ( 523 و 524 و 525 و 526 )، وهي مواد تخالف تماماً سياسة سوريا في اعتماد مفهوم الصحة الإنجابية التي تبنتها وزارة الصحة السورية تنفيذاً لتوصيات مؤتمر السكان في القاهرة عام 1994 وكذلك فأن جميع التشريعات السورية نصت على أن يكون توزيع موانع الحمل ووسائله... من قبل الاختصاصيين بذلك.
وربما يكون الشيء الوحيد الذي يحمل بعض النفس الإيجابي في التعديلات بموجب المرسوم المذكور، هو التعديل الذي تم إدخاله على المادة ( 508 )، المتعلقة بزواج ( الرجل ) المغتصب من ( المرأة ) المغتصبة، حيث جاء التعديل ليفرض عليه ( الرجل ) عقوبة السجن لمدة سنتين، سواء تزوج من ( المرأة ) المغتصبة أم لا، في حين أن مرتكب جريمة الاغتصاب كان يعفى من العقوبة في النص القديم، إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المعتدى عليها، رغم أنه تعديل غير كاف أيضاً، وكان الأجدى بالمشرع أن يفرض عليه عقوبة جريمة الاغتصاب القانونية.
وبخصوص المادة ( 556 ) المتعلقة بالجرائم الواقعة على الحرية، فإننا نعتقد أن إجراء أي تعديل عليها، يبقى شكلياً وحبراً على ورق لا أكثر و أقل، مع وجود العديد من المراسيم التشريعية التي تحمي مرتكبي جرائم الحرمان من الحرية والتعذيب من المسائلة القانونية، مثل المادة ( 16 ) من المرسوم التشريعي رقم ( 14 ) لعام 1969 الذي ينص على أنه
: ( لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر من المدير ).
وكذلك المرسوم التشريعي رقم ( 69 ) لعام 2008 الذي جرى بموجبه تعديل قانون العقوبات العسكرية السوري، وبموجب هذا المرسوم لا يمكن إقامة الدعاوى أمام القضاء العادي على عناصر الشرطة والجمارك وعناصر الأمن السياسي، المتعلقة بتعذيب المواطنين والاعتداء عليهم، لأن إقامة هذه الدعاوى تحتاج إلى الأذن من القائد العام للجيش والقوات المسلحة ؟!! 
إذاً هناك تعطيل كامل للنصوص القانونية المتعلقة بالجرائم الواقعة على الحرية بموجب المراسيم الاستثنائية التي شرعت لقمع المواطنين وممارسة المزيد من الإهانة والإذلال بحقهم ؟!!
ومن هنا وكما قلنا في البداية، لا بد من تعديل قانون العقوبات وجميع القوانين والتشريعات السورية الأخرى، والخطوة الأولى لذلك هي إلغاء القوانين والتشريعات الاستثنائية التي تعطل وتعرقل هذه القوانين والتشريعات، تمهيداً لانسجامها مع التطورات الكثيرة والكبيرة التي طرأت على المجتمع السوري في جميع ميادين ومجالات الحياة، ومن أجل أن تحقق هذه القوانين والتشريعات العدالة والمساواة بين جميع أبناء الشعب السوري على اختلاف أجناسهم وأديانهم ومذاهبهم وأطيافهم وقومياتهم...، ولموائمة هذه القوانين والتشريعات السورية المختلفة مع القوانين والمواثيق والعهود الدولية المختلفة، وبذلك يمكن أن نضع سوريا على السكة الصحيحة، حيث الحرية واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة.